2023-10-21 16:27:36
آفة أمتنا النسيان!!
أعلم يا صديقي قدر الغصة في حلقك من وطئة ما تستشعره من الهوان...
لكن دعني أسألك سؤالاً ، واعذرني لقطع حالة الظلام التي تغلف روحك الآن...
هل ما أنت فيه حقاً = هوان؟
إن الهوان يا صديقي هو أن تعيش بلا حس يدب في أوصالك... بلا رجفة غضب يهدر كالسيل الجارف في نبضات عروقك...
إن الهوان هو أن ترى ما تراه و تمضي في دروب حياتك كالبهيمة البهماء، لا يهمك إلا أمر يومك... وشبع بطنك... وقضاء وطرك...
إن ما أنت فيه - على ما فيه من الألم- هو خير لو كنت تعلم...
وما نحن فيه ليس بأشد مصائب الأمة لو كنت تعلم...!!
لكن آفة أمتنا النسيان..
نعم آفة أمتنا النسيان!!
ربما لم يمر علينا زمان كانت الأمة فيه مقطوعة عن تاريخها مثل هذا الزمان...
نعيش كأننا نبت مقطوع الأوصال، بلا جذور ، وبلا أرض... مع أن جذوره ضاربة في أعمق أعماق الزمن.
أتريد أن أذكرك ببعض ما مر علينا من الوهن؟!
إقرأ معي تلك السطور التي سطرها ابن الأثير في كتابه : الكامل في التاريخ...
قال رحمه الله وهو يذكر حوادث سنة 617 هجرية: "لقد بقيت عدة سنين معرضاً عن ذكر هذه الحادثة استعظاماً لها، كارهاً لذكرها، فأنا أقدم إليه رجلاً وأؤخر أخرى، فمن الذي يسهل عليه أن يكتب نعي الإسلام والمسلمين؟ ومن الذي يهون عليه ذكر ذلك؟ فيا ليت أمي لم تلدني، ويا ليتني مت قبل حدوثها وكنت نسياً منسياً، إلا أنني حثني جماعة من الأصدقاء على تسطيرها وأنا متوقف، ثم رأيت أن ترك ذلك لا يجدي نفعاً، فنقول: هذا الفعل يتضمن ذكر الحادثة العظمى، والمصيبة الكبرى التي عقت الأيام والليالي عن مثلها، عمت الخلائق، وخصت المسلمين، فلو قال قائل: إن العالم مذ خلق الله سبحانه وتعالى آدم، إلى الآن، لم يبتلوا بمثلها، لكان صادقاً، فإن التواريخ لم تتضمن ما يقاربها ولا ما يدانيها".
ثم قال بعدما ذكر اجتياحهم للبلاد بشكل عجيب، مرعب: "ولقد بلي الإسلام والمسلمون في هذه المدة بمصائب لم يبتل بها أحد من الأمم، منها هؤلاء التتر، قبحهم الله، أقبلوا من المشرق، ففعلوا الأفعال التي يستعظمها كل من سمع بها...
ومنها خروج الفرنج، لعنهم الله، من المغرب إلى الشام، وقصدهم ديار مصر، وملكهم ثغر دمياط منها، وأشرفت ديار مصر والشام وغيرها على أن يملكوها لولا لطف الله تعالى ونصره عليهم....
ومنها أن الذي سلم من هاتين الطائفتين فالسيف بينهم مسلول، والفتنة قائمة على ساق... فإنا لله وإنا إليه راجعون، نسأل الله أن ييسر للإسلام والمسلمين نصراً من عنده، فإن الناصر، والمعين، والذاب، عن الإسلام معدوم".
أقرأت يا صديقي!!
والذاب عن الإسلام معدوم!!
لقد سطر ابن الأثير هذه الكلمات التي غصت بنشيج الألم والمرارة، وكل هذا هو لم يشهد المصاب الأعظم!!
لم يشهد سقوط بغداد... عاصمة الخلافة... ودرة البلاد.
فلقد توفي رحمه الله عام 630 هـ، وآخر الحوادث في كتابه كانت عام 628 هـ.
ومما سطره في حوادث هذا العام ... وكانت في ذاك الكتاب مرارة الختام ...
"ولقد حكي لي عنهم حكايات يكاد سامعها يكذب بها من الخوف الذي ألقى الله - سبحانه وتعالى - في قلوب الناس منهم، حتى قيل: إن الرجل الواحد منهم كان يدخل القرية أو الدرب وبه جمع كثير من الناس، فلا يزال يقتلهم واحداً بعد واحد، لا يتجاسر أحد أن يمد يده إلى ذلك الفارس.
ولقد بلغني أن إنساناً منهم أخذ رجلاً، ولم يكن مع التتري ما يقتله به، فقال له: ضع رأسك على الأرض ولا تبرح، فوضع رأسه على الأرض، ومضى التتري فأحضر سيفاً وقتله به".
قل لي يا صديقي عن أي هوان تتحدث بعدما قرأت ذاك الكلام؟!
أتدري ...
بعد كل هذا الهول... والهوان...
من الله على المسلمين و كسروهم بعد أعوام قليلة في عين جالوت عام 658 هـ.
هون عليك يا صديقي...
نحن في دورة من دورات الزمان طويلة المدى، ربما قدر لنا أن نعيش في دورة كان منحنى الأمة فيها في هبوط...
لكن في منحينات زمان أمتنا ما كان أسفل و أحط...
فلا تحزن... وهون عليك...
إن الهوان ليس منك ...
فلا تسرف في جلد نفسك...
إن الذي فرض علينا الهوان في قصره يرفل في النعيم...
ولا يبالي حتى لو أبيد المسلمون أجمعون...
﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ﴾.
12.9K views13:27