Get Mystery Box with random crypto!

قالت في الفيلم: [كنتُ أستطيع أنْ أُنجب، لكنّي فضّلتُ التبنّي، | السبيل

قالت في الفيلم: [كنتُ أستطيع أنْ أُنجب، لكنّي فضّلتُ التبنّي، رأيتُ العالم فيه ما يكفي من البشر، وإنجاب طفلٍ لن يُضيف شيئًا، لكنّ تبني طفل كان يُعاني.. هذا يعني شيئًا ما].

ذلك كان اقتباسًا من فيلم أجنبي معروف، كتبه شخص أخذ يدعو لتلك الفكرة، ووجدتُ الآلاف يشاركونه في انتشاء ويُثنون على الاقتباس العظيم.
بالطبّع لا بُد وأن يكون عظيمًا إذا قُدّم لنا في سياق درامي لطيف، مع صوتٍ أُنثوي رقيق، وزاوية تصوير محترفة، وإضاءة مناسبة، وعينٍ باكية، وموسيقى مؤثّرة، صدّقني، أغلبنا سيبتلعها بمنتهى السهولة، فكارت العزف على وتر المشاعر لا يخيب غالبًا.

ودعك هُنا من قصّة (التبنّي) المُحرّم، فلعل الفرحين بالكلام حملوه دون وعي على (كفالة اليتيم)، وهو فضل عظيم بالفعل يستحق أن ندعو إليه ونُرغّب فيه لننتشل الكثير ممن يعانون في هذا العالم.
.
ولكن لماذا نضع كفالة اليتيم مع الإنجاب الطبيعي في مفترق طُرق أصلا؟
تجيبنا البطلة:

رأيتُ العالم فيه ما يكفي من البشر، وإنجاب طفلٍ لن يُضيف شيئًا.
ودعني أغوص معك يا صديقي في عُمق هذه الجُملة قليلًا لعلي أبيّن لك خطورة ما سيُسرّب الآن إلى منظومة أفكارنا ومفاهيمنا عن الحياة دون أن نشعر.
.
- تبدأ القصة من أن تنحّي الله جل وعلا من معادلة الوجود،
فترى (العالم) مادة مصمتة أو آلة صمّاء لا غاية ولا معنى لها، وليس لها خالقٌ حكيم يُدبّر الأمر، فتصبح المعادلة ثنائية (أنا - والكون المادي/الطبيعة).
.
- ثم تنظر لنفسك في المرآة فلا تجد لهذا الإنسان أي معنى أيضًا، وإنما هو كالطبيعة المادية، مجرد (شيء) (يمتلئ الكون به) حتى يكتظ فلا يحتاج إلى مزيد، كما تمتلئ غُرفتك بالأمتعة فترى أن شراء شيء جديد لن يضيف شيئًا!
.
- ثم تحسب أنّك الإله الحكيم الذي يخلق على الحقيقة، فهو الذي يأذن بخلق الأجنّة في أرحام أمهاتهن، ثم هو الذي يُقدّر -بعلمه المُطلق وحكمته اللامتناهية- هل (اكتفى العالم) من البشر أم بوسعنا أن نضيف إليه بعض الكاتشب؟
.
وبناء على تلك المقدمات المنبثقة من رؤية عقدية لله تعالى وللإنسان وللوجود بأسره = رأت البطلة أن الإنجاب محض عبث لا فائدة منه.
.
أما في رؤيتنا وعقيدتنا الإسلامية، فنقول:

أما نحن فنؤمن أن هذا لهذا الكون خالق حكيم يدبّر الأمر، لم يخلقه عبثًا سبحانه، ولا يكون في مُلكه إلا ما أراد، يُخرج الحي من الميت ويُخرج الميّت من الحي، ويرزق من يشاء بغير حساب.

ونؤمن أننا ما خُلقنا إلا لنعبده جل وعلا، ونتقرّب إليه ونتعرّف عليه ونُحبه وتلك أسمى الغايات عندنا.

ولذلك يزيدنا فخرًا أن يكثر عدد أمة لا إله إلا الله في الأرض، بحيث تكون كثرة قويّة تكون كلمتها من رأسها وقوتها من فأسها حتى لا تكون كثرة كغثاء السيل،
وتعظم سعادتنا بأن يُخرج الله من أصلابنا من يوحّده سبحانه، ويعبده، ويُبقي ذكره جل وعلا حيًّا في الوجود، ويُقيم دينه في الأرض، فيُباهي بنا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمم يوم القيامة.. وهذا والله شرفٌ ما بعده شرف وفضلٌ لا يدانيه فضل.
.
ولعل الله يجعل من هذا المولود سببًا في تخفيف معاناة الملايين، ويجعل من هذا المكفول سببًا لمعاناة الملايين! فنحن لا ندري، ولا علم لنا إلا ما علّمنا سبحانه، فنأخذ بالأسباب والنتائج على الله.
.
فإن فهمت البطلة من تكون ومن ربّها ولماذا خلقها هُنا، علمت أنها إذا أنجبت ابنًا مُسلمًا صالحًا فقد أضافت للوجود الكثير والكثير مما لا يُمكن أن تدُركه!
ولم تجد حينها تعارضًا بين هذا وبين أن تكفل اليتامى وتخفف من معاناتهم إذا استطاعت، وطُرق الخير التي تُدخلنا الجنّة أكثر من أن نحصيها هنا، فلا نُضيّق ما وسّعه الله.
.
ولكن للأسف، المخرج لم يرغب في تزيين تلك المفاهيم في أعين المشاهد، وها هي فتاة مُسلمة قد شاهدت الفيلم وتأثرت وسرى مفعول الداء في فكرها، وقد تلقّت درسًا عقديًا مُركّزًا،
فـ خرجت من السينما تتأمل في هذا الكون المكتظ بالبشر وتقول: صحيح، لماذا؟ ما الفائدة أن نأتي ببائس جديد لهذا الكون البائس؟ ثم ما الفائدة من أن نتزوّج أصلا لنزيد حياتنا بؤسًا؟ لا شيء، لا شيء له فائدة أو معنى من الأساس.
أحمد عبد المنصف