Get Mystery Box with random crypto!

من أكثر أساليب القرآن التي تجذبني وتدهشني: 'المزج' و'التكرار'، | السبيل

من أكثر أساليب القرآن التي تجذبني وتدهشني: "المزج" و"التكرار"، فهو يمزج المواضيع المختلفة في النصّ الواحد، ويُكرّر على المتلقّي الموضوع الواحد بعشرات المشاهد والصور إن لم يكن المئات.

من وجهة النظر "المنطقية" الفلسفية أو حتى "العلمية" البرهانية، يبدو المزجُ ابتعادًا عن ترتيب الأفكار وتنظيمها، ويبدو التكرار حَشوًا لا قيمة له في مضمار الفكر والبرهنة العلمية. ولكنْ من منطلق الخطاب القرآني تبرز قيمة المزج والتكرار حين نفهم النفس البشرية، وأنها ليست حاسوبًا نُدخل إليه البيانات المصنَّفة المحدَّدة مرة واحدة فحسب، بل هي نفس تهوى وتنفر، وتُقبل وتُحجم، وتنفتح وتنغلق، وتنشط وتخمل، وتضجّ وتهدأ، وتجهل وتعرف، وتذْكر وتنسى، وترغب وترهب، وتتردّد وتحسم، وتشكّ وتوقِن، وتطمئنّ وتقلق، وتتعجّل وتتروّى، فمحتاجةٌ هذه النفس إلى تنويع طرائق التعبير والدخول إليها من مختلف منافذ التلقّي وبمختلف الأساليب والصور والمشاهد؛ لأنّ غاية القرآن غاية عملية رساليّة، وهي التأثير على المتلقّي، أي تحوُّل هذا العلم الذي جاء به الوحي إلى مشاعر تخفق بها القلوب وممارسات تتحرك في واقع الحياة الإنسانية، ولهذا لا يُحجم القرآن عن أساليب المزج والتكرار، بل يستعملها أفضل استعمال، ويقدّرها أفضل تقدير، لأنّه من عند الله خالق الإنسان الخبير بكيفية تلقّيه للعلم وبكيفية تحوّل العلم إلى أحاسيس وإرادات وأفعال. فالغاية العملية هي التي تحدّد طرائق التعبير في القرآن ومنطقَه في مخاطبة الإنسان.

شريف محمد جابر