2018-05-09 22:33:49
الحلقة الخامسة
وكانت فتوحاته السريعة غالبا ما تلجئ أعداءه إلى التحالف ضده، فبعد حصار قواته لمدينة "كبري حصار" واستسلام حاكمها له، ثم تضييقه الخناق على قلعة "أزنيق" اتفق حاكم "بروسه" مع حكام "أطره نوس أوادربانوس" و"كستل وكته" على مهاجمة مدينة "يكي شهر" عاصمة ملكه الجديدة؛ ليقضوا على دولته قضاء مبرما، ولكن يقظته جعلته يستعد لغزوهم قبل أن يغزوه، وخرج إليهم بنفسه على رأس جيشه، والتقى بهم عند قلعة " قيون حصار " ولم يكتف بهزيمتهم، وإنما تتبع أثرهم حتى التقى بهم ثانية عند مكان يسمى "ديمبوز" وأوقع بهم هزيمة نكراء قتل فيها أمير مدينة "كستل" بينما فر أمير "أطره نوس" وأمير "بروسه" لينجوا من قتل محقق.
وبعد هذا النصر المبين التفت عثمان إلى دولته، واستراح من الغزو قليلا، فشيد في سنة717 هـ بالقرب من مدينة بروسه قلعتين، جعل على إحداهما ابن أخيه آق تيمور أميرا، وعلى الأخرى أحد مماليكه.
وبعدها استخلف أورخان ليرعى أمور دولته، ثم سار هو بنفسه قاصدا قلعة لبلبنجي ولفكه جادرلق فاستولى عليها بلا حرب، وأخضع بعد ذلك من "يكيجه حصار" و"آق حصار" و"تكفور بكاري" بلا حرب أيضاً، وضم الجميع لأملاكه..
وعاد سريعا إلى عاصمته، وبعث ابنه أورخان وبعض قواده إلى قلعة "قره جيش" فحاصروها حتى استولوا عليها، وأسروا حاكمها، ثم تابعوا غزوهم ففتحوا الجهات المجاورة لها، واستولوا على مدينة طوز بازاري وقلعة "قره تكبه" كما فتحوا عدة جهات في أطراف أزميد، وختموا أعمالهم بفتح مدينة "أزنيق".
وبينما هم يواصلون فتوحاتهم وتقدمهم مرض عثمان، وجاء خبر مرضه إلى أورخان فعاد إليه مسرعًا، ولما صار بين يديه نصحه بالمحافظة على ملكه، والإحسان إلى الرعية، والحرص على العدل والإنصاف بينهم، ومن جملة ما جاء في وصيته قوله: "يا بني ! إياك أن تشتغل بشيء لم يأمر به الله رب العالمين، وإذا واجهتك في الحكم معضلة فاتخذ من مشورة علماء الدين موئلاً، يا بني ! أحط من أطاعك بالإعزاز، وأنعم على الجنود، ولا يغرنك الشيطان بجندك وبمالك، وإياك أن تبتعد عن أهل الشريعة، يا بني: إنك تعلم أن غايتنا هي أرضاء الله رب العالمين، وأن بالجهاد يعم نور ديننا كل الآفاق، فتحدث مرضات الله جل جلاله، يا بني لسنا من هؤلاء الذين يقيمون الحروب لشهوة حكم أو سيطرة أفراد، فنحن بالإسلام نحيا وللإسلام نموت، وهذا يا ولدي ما أنت له أهل".
ومات رحمه الله بعد حياة عامرة بالغزو والجهاد، حيث قضى في السلطنة ما بين 26 و27 سنة.
وانتقل بدولته من مجرد إمارة صغيرة إلى دولة قوية فتية، قدر لها بعد وفاته أن تصير حامية الإسلام، ومحط آمال الموحدين، ولذلك صار يعتز به كل سلاطين الدولة العثمانية، وآثروا أن ينسبوا إليه دولتهم.
كما ترك سيرة حسنة لكل حاكم يطمح للجمع بين حظ الدنيا وحظ الآخرة، فكان مثلا للعدل حتى قيل: إن أباه أرطغرل عهد إليه في حياته بولاية القضاء في مدينة "قره جه حصار" بعد الاستيلاء عليها من البيزنطيين في عام 684هـ/1285م فاحتكم إليه رجلان، أحدهما مسلم تركي والآخر بيزنطي نصراني، فحكم للبيزنطي ضد التركي، فاستغرب البيزنطي وسأله: كيف تحكم لصالحي وأنا على غير دينك، فأجابه عثمان: بل كيف لا أحكم لصالحك، والله الذي نعبده، يقول لنا: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ}[النساء: 58] فتأثر البيزنطي من هذا الموقف وأعلن إسلامه.
كما كان محسنا للفقراء والمساكين، حتى قيل: إنه كان يجمع أنواع الطعام وأصناف الحلوى لهم، ويطبخ لهم بعد كل ثلاثة أيام سماطا عظيما يأكل منه الخاص والعام ممن ذكر وغيرهم.
وبلغ من حبه للإنفاق أنه ما ترك عند موته سوى فرس وسيف ودرع ونحو ذلك من اللباس والفراش كما بقيت أوقافه من الخيل والغنم تتناسل قرونا طويلة، أبقتها ذريته تيمنا وتبركا.
تبعونا علي قناه التيليجرام
قناة السيرة النبوية وامهات المؤمنين والصحابه
https://telegram.me/elsyrae2lnpwyga
لا نسمح بازالة رباط القناه
921 views19:33