Get Mystery Box with random crypto!

 الفتوى رقم: ١١٦٨ الصنف: فتاوى الأشربة والأطعمة - الأضحية في | فتاوى الشيخ فركوس


الفتوى رقم: ١١٦٨
الصنف: فتاوى الأشربة والأطعمة - الأضحية
في صفة ما تجوز التضحية به
السؤال:
ما حكم مكسورة القرن في الأضحية؟ وهل يُشترط كمال السلامة في الإجزاء؟ وكيف نجمع بين حديث عليٍّ رضي الله عنه: «نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُضَحَّى بِأَعْضَبِ القَرْنِ وَالأُذُنِ»(١)، وبين قول عليٍّ رضي الله عنه عندما سئل عن مكسورة القرن قال: «لاَ يَضُرُّكَ»(٢)؟ أفيدونا مأجورين.
الجواب:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فقد نصَّت السنَّة المطهَّرة على العيوب التي تُرَدُّ بها الأضحية فلا تُجزئ معها باتِّفاق العلماء وهي:
• العوراء البيِّنُ عَوَرُها بحيث يغشى البياضُ معظمَ ناظرها، وتدخل العمياءُ دخولاً أولويًّا.
• المريضة البيِّنُ مرضُها، أمَّا خفيفة المرض فتُجزئ بمقتضى دليل خطابِ النصِّ الآتي ذكرُه.
• العرجاء البيِّنُ عَرَجُها أو ظَلْعُها، ويدخل في هذا المعنى بالأحروية مقطوعةُ الرجل والمكسورتها.
• العجفاء التي لا تُنْقِي، وهي الهزيلة التي لا مخَّ في عظامها لضعفها وهزالها.
ويدلُّ على ذلك حديث البراء بن عازبٍ رضي الله عنهما أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «أَرْبَعٌ لاَ تُجْزِئُ فِي الأَضَاحِي: الْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا، وَالْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا، وَالْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ ظَلْعُهَا، وَالْكَسِيرَةُ الَّتِي لاَ تُنْقِي»(٣).
وشرط البراءة مِن هذه العيوب المذكورة محلُّ إجماعٍ بين أهل العلم، قال النوويُّ -رحمه الله-: «وأجمعوا على أنَّ العيوب الأربعة المذكورة في حديث البراء وهو: المرض والعَجَف والعَوَر والعَرَج البيِّن لا تُجزئ التضحية بها، وكذا ما كان في معناها أو أقبحَ كالعمى وقطعِ الرجل وشبهه»(٤).
أمَّا مكسورة القرن أو جزءٍ منه أو مشقوقةُ الأذُنِ فهي العضباء على خلافٍ في تحديد معناها، فحكمُها مختلَفٌ فيه للاختلاف في درجة الحديث الدائرة بين الحسن والضعف.
فمَن حسَّن حديثَ عليٍّ رضي الله عنه: «نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُضَحَّى بِأَعْضَبِ القَرْنِ وَالأُذُنِ»، وجاء مبيَّنًا بقول قتادة: «فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فَقَالَ: «العَضْبُ مَا بَلَغَ النِّصْفَ فَمَا فَوْقَ ذَلِكَ»»(٥)، فقد دفع التعارضَ مع قول عليٍّ رضي الله عنه -عندما سئل عن مكسورة القرن- فقال: «لاَ يَضُرُّكَ» بأنْ حَمَل «العَضَبَ» في الحديث المرفوع على عدم الإجزاء إذا كان المكسور منه النصفَ فأكثر، أمَّا قوله: «لا يضرُّك» فقَدْ حَمَله على الإجزاء فيما دون النصف، وبذلك دفع التعارضَ بينهما، وبهذا قال النخعيُّ وأبو يوسف ومحمَّد بنُ الحسن وغيرُهم(٦).
ومن ضعَّف حديثَ النهي عن مكسورة القرن ولم يثبت عنده نهيٌ عن العَضَب وعَمِل بمقتضى حديث عليٍّ رضي الله عنه: «أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَسْتَشْرِفَ الْعَيْنَ وَالأُذُنَ»(٧)، ورأى أنَّ مكسورة القرن ومشقوقة الأذن عيبٌ لا ينقص اللحمَ ولا يُخِلُّ بالمقصود؛ قال بكراهية التنزيه في الأضحية التي تقترن بها هذه العيوبُ ويحصل بها الإجزاء، لأنَّ حديث عليٍّ رضي الله عنه في استشراف العين والأذن ليس فيه ما يدلُّ على عدم الإجزاء، وإنما يدلُّ على اجتناب ما فيه شقٌّ أو قطعٌ أو ثقبٌ ونحوُ ذلك. قال ابن عبد البرِّ -رحمه الله-: «العلماء مجمعون على أنَّ الجمَّاء [وهي التي لم يُخلق لها قرنٌ] جائزٌ أن يضحَّى بها، فدلَّ إجماعُهم هذا على أنَّ النقص المكروه هو ما تتأذَّى به البهيمةُ وينقص مِن ثمنها ومِن شحمها»(٨)، وإذا جازت التضحية بالجمَّاء فلَأَنْ تجوز بالعضباء التي ذهب أكثرُ مِن نصف قرنها مِن بابٍ أَوْلى(٩).
ويدخل في هذا المعنى -أيضًا- العيوبُ الأخرى التي لا تأثير لها في الحكم لعدم صحَّة النهي عنها، فإنها تُجزئ في الأضحية -على الصحيح- وتُكره لكونها تنافي كمالَ السلامة كالبتراء مقطوعةِ الألية أو الذنَب، والجدعاءِ مقطوعةِ الأنف، والهتماء التي لا أسنان لها. قال ابن قدامة -رحمه الله-: «وتُكره المشقوقة الأذُنِ، والمثقوبةُ، وما قُطع شيءٌ منها؛ لِما روي عن عليٍّ رضي الله عنه قال: «أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَسْتَشْرِفَ العَيْنَ وَالأُذُنَ، وَلاَ نُضَحِّيَ بِمُقَابَلَةٍ وَلاَ مُدَابَرَةٍ، وَلاَ خَرْقَاءَ وَلاَ شَرْقَاءَ، قال زهيرٌ: قلت لأبي إسحاق: «ما المقابَلة؟» قال: «يُقطع طرفُ الأذن»، قلت: «فما المدابَرة؟» قال: «يُقطع من مؤخَّر الأذن»، قلت: «فما الشرقاء؟» قال: «تُشَقُّ الأذنُ»، قلت: «فما الخرقاء؟» قال: «تَشُقُّ أذُنَها السِّمَةُ»» .. وهذا نهيُ تنزيهٍ، ويحصل الإجزاءُ بها، لا نعلم فيه خلافًا؛ ولأنَّ اشتراط السلامة مِن ذلك يشقُّ، إذ لا يكاد يوجد سالمٌ من هذا كلِّه»(١٠)، انتهى كلام ابن قدامة.