2022-06-10 20:51:41
ما أسهلَ النِّياحة، وما أشقَّ العمل!
يُخدِّر لطمُ الخدود وشقُّ الجيوب؛ لكنه لا يداوي.
لو يعلم الذين لا يتجاوزون ذمَّ الواقع ما استُهلِكوا فيه؛ لاقتصدوا.
خلق الله للجاهلية قوَّالين، لا يحسنون إلا لعنها، وبرأ لها فعَّالين، يحسنون لعنها فجِهادها، ويوم يجيء القوَّالون ربَّهم أصفارًا؛ يجيء الفعَّالون مِلَاءً؛ أولئك الذين صدَقوا في مقتها وأولئك هم الرابحون.
إن جلجلةً تبلغ السماء في ساعةٍ واحدةٍ من أهل الأرض جميعًا؛ ضجيجًا بلعن الجاهلية وعجيجًا بالدعاء على الطواغيت؛ لا ترجع من غوث الله بكبير شيءٍ، فإذا الناس (فعلوا)؛ أغاثهم الله بكل شيءٍ.
ويلٌ لمرتابٍ في تسبُّب الأنظمة الطاغوتية في بطالة أكثر الناس ومن وجوهٍ لا تخفى، وويلان لشَاكٍّ في تفريط عامة الناس كذلك -سيَّما الشباب- في الأسباب الجالبة للرزق؛ النظريِّ منها والعمليِّ.
بدءًا من تضييع الأوقات وإهدار الطاقات فيما ضرره أكبر من نفعه، فمرورًا بالتقاعس عما يوسِّع الله به كثيرًا على كثيرٍ بالتعلم والخبرات والتدريب والمهارات، وانتهاءً بالولولة على سوء الأحوال.
هذا الذي أحدِّث عنه هو هو الغارق في المعاصي، كلما عوتب من نفسه أو من أحدٍ؛ تعلَّل بسوء الأحوال، أجل هو؛ فإنما الإنسان نفسٌ واحدةٌ، بها يقصِد ويقول ويفعل، مع الله ومع ذاته ومع الناس.
بينما يسبُّ أحدهم والديه بما أساءا إليه، وإخوته بما جنَوا عليه، وأصدقاءه إذ خذلوه، وأعداءه إذ خانوه؛ إذ نشط إلى كمالات دنياه وأخراه عبدٌ أصابه ما أصاب الأول؛ لكنه من أُولي الأيدي والأبصار.
لا جَرَمَ أن جدار الفساد طويلٌ عريضٌ؛ لكنه برأفةٍ من الله ليس بمُصْمَتٍ؛ وإن الذين بسط الرحمن في هِممهم ليرمُقون ثقوبه، ويستعينون الله على مساميرهم بطَرْق شواكيشهم؛ حتى يجعلها لهم فُرَجًا.
يا حفيد ذي القرنين؛ قد جدَّ جَدُّك لقومٍ لا يكادون يفقهون قولًا، فجعل بينهم وبين يأجوجَ ومأجوجَ سدًّا؛ أفلا تجدُّ أنت -فقيهًا بمعاشك ومعادك- لنقض جدار إفسادك؛ يجعل الله لك في كل نَقْبٍ رزقًا!
إن الخالق المقدِّر المشرِّع الحسيب واحدٌ؛ الربُّ الذي أوجدك، هو الحكيم الذي اختار لك زمانك ومكانك، هو الإله الذي شرَع لك من الدين ما شرَع، هو المُجَازيك بما تركت وفعلت في الدنيا والآخرة.
إن الله لا يخفى عليه من أمر الشيطان والجاهلية والطواغيت شيءٌ، وقد أراد لك عبادةً غير عبادة الملائكة والسماوات والأرض؛ عبادة الطَّوع والاختيار، وإنها لا تكون إلا بين هذه المنازِعات.
إن آيتين بسورة "التحريم" قطع الله بهما أعذار المكلَّفين إلى يوم القيامة؛ ضربَ مثلًا للذين كفروا امرأة نوحٍ وامرأة لوطٍ؛ نوحٌ الذي ما مكث نبيٌّ في قومه كمُكُوثه، ولوطٌ الذي ما ابتُلي نبيٌّ بقومٍ كقومه.
يا أيها المعلِّقون فلاحهم في الدين والدنيا على أُسرةٍ صالحةٍ وبيئةٍ طيبةٍ وأصحابٍ صادقين؛ إن رسولين -هما ذان- كانا بكل كمالاتهما البشرية والرسالية فوق امرأتين بكل معاني الفوقية، ولم تؤمنا.
ثم ضربَ الله مثلًا للذين آمنوا امرأة فرعون؛ امرأةٌ -والمرأة أَوْهَى من الرجل نفسًا وحِسًّا- تحت فرعون، بكل ما كان لفرعون رجلًا فزوجًا فمَلكًا طاغيًا، محصورةً في زمانه ومكانه، ثم آمنتْ.
الله الذي يداول عروش الحُكم بين الناس، فجعل لطواغيت الزمان على الموحدين -بما فرَّطوا في الخير وأفرطوا في الشر- سبيلًا؛ هو الذي لم يزل على "العرش الحق" مستويًا؛ فابتغوا إليه سبيلًا.
"يعقد الشيطان على قافية رأس العبد -إذا نام- ثلاث عُقَدٍ، يقول: عليكَ ليلٌ طويلٌ فارقدْ"، وبعضهم يعقد بنفسه في نفسه -كلما صحا- ثلاثين عُقْدَةً، يقول لها: عليكِ يومٌ طويلٌ فارقدي؛ بالله العصمة.
لن يختصم جبرائيل وميكائيل في كسلانَ تَنْبَلَ كَلٍّ على الناس؛ أيهما يقضي حاجاته أولًا، لن يفعلا، وإن سنن الله الجارية في الخلق -من أزله إلى أبده- لا تتبدل؛ لن تلاطف من حقُّه المُخاشنة.
إن عبادة الإنسان في الأرض هي "المجاهدة"، وإن أوفى العباد من العبودية حظًّا أوفاهم من "المجاهدة" نصيبًا؛ مجاهدة النفس والهوى والجسد جُوَّانِيًّا، ومجاهدة الدنيا وشياطين الإنس والجن بَرَّانِيًّا.
هذا حرفٌ لا يخفِّف عن الطواغيت مثقال ذرةٍ؛ بل هو حرفٌ يدركك قبل أن يبدو لك يوم التغابن ما لم تكن تحتسب، يوم تخذل عِصِيُّ الأعذار الذين كانوا يتوكؤون عليها، ولا ينهض إلا العاملون.
قال قائلٌ: فلو أطلعك الله على نفسي؛ لوجدتَها بالغةً من الضعف ما لا يعلم إلا هو ثم أنا، قلت: فإن ربك الله لم يزل حيًّا قيومًا؛ فاستعن به على إحياء هوامدِها وقيام خوامدِها؛ عليك البدء وعليه التمام.
92 viewsا, 17:51