2022-08-25 14:26:12
رسالة كنت أرسلتها لابن الشيخ مصطفى العدوي ولم يصلني رد لسبب لا أعلمه. وبعد أن حاولت عرض وجهة نظري ولم يتراجع الشيخ أنشر نص رسالتي هنا
سئل الشيخُ مصطفى حفظه الله عن قائمةِ المنقولات فقال إن أصحاب الدعواتِ إلى إلغائِها جهلة، وأن المهرَ قد تتعددُ صورُه. فأردتُ أن ألفت نظرَ الشيخِ حفظه الله إلى عدةِ أمور قد تجعله يتراجعُ عن فتواه:
أولا: أصحاب الدعوات إلى إلغاء القائمة يقولون إن الزوج يجهز شقته ويعطي الزوج مهرا في صورة ذهب وهو ما يعرفُ بالشبكة ويكتبُ مؤخرَ صداق.
ثانيا: الداعون إلى إلغاء القائمة يرونها مخالفةً للشريعة من عدة وجوه:
الأول: أن أهلَ الزوجةِ يكتبون في قائمةِ المنقولات أن الزوجَ تسلمها على سبيل الأمانة وأنه ملزم بردِها كما تسلمها. ولا يخفى على الشيخِ حفظه الله أن الأثاثَ يكونُ في شقة الزوجة فهو لم ينتقلْ إلى حيازة الزوج انتقالا كاملا، وفي كثير من الأحيان تتحين الزوجة غياب الزوج عند الخلافات فتنقل أثاثها ثم تشتكي الزوج بقضية التبديد المعروفة.
الوجه الثاني: أن قائمة المنقولات تستعمل كلمة الأمانة، ومن ثم فإن التوصيف القانوني لها أنها عقدُ ائتمان كإيصال الأمانة، فالزوج ملزم برد الأثاث بحالته وإلا صار مبددا وخائنا للأمانة كما تنص على ذلك قائمة المنقولات. ومعلوم أن الأثاث يُستعمل ويتلف بعضه سواء كان المتلف الزوج أو الزوجة.
الوجهُ الثالث: أن قائمةَ المنقولاتِ لا تعد مهرا قانونا، فإذا طلبت الزوجةُ الخلعَ وهو ما يحدثُ كثيرا يحكم القاضي بالخلع دون رضا الزوج ولا تُلزم الزوجة برد المنقولات، فتكون قد اختلعت بغير رضا الزوج وحصلت على الأثاث. أعني أن الزوج يكتبُ قائمةَ المنقولاتِ كمهر، لكن المحكمة لا تعده مهرا. وخير دليل على ذلك أن محكمةَ الجنح هي التي تنظر هذه القضايا. فلو كان مهرا لنظرتْه محكمةُ الأسرة.
الوجه الثالث: أن الواقعَ يؤكدُ أن كثيرًا من الزوجاتِ يحبسن أزواجَهن لأدنى خلاف بقضية التبديد، إذ تدعي الزوجةُ أن الأثاثَ المعروضَ ليس أثاثَها كذبا وزورا، وكثيرا ما يحكمُ القاضي بحبسِ الزوجِ مع أن الأثاثَ هو المكتوبُ في القائمة، فليس هناك ما يضمنُ أن يَسلم الزوجُ من الحبسِ إذا سلم الزوجةَ الأثاثَ.
وقد تكلم شيخُ الإسلامِ ابن تيمية ووافقه ابن القيم رحمهما الله في قضيةِ حبسِ الزوجِ في الصداقِ فقال ابن القيم: قَالَ شَيْخُنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ – يعني قال شيخ الإسلام ابنُ تيمية: وَكَذَلِكَ لَمْ يَحْبِسْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا أَحَدٌ مِنْ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ زَوْجًا فِي صَدَاقِ امْرَأَتِهِ أَصْلًا. وقال: وَلَمْ يَقْضِ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا مَنْ بَعْدَهُ لِامْرَأَةٍ بِصَدَاقِهَا الْمُؤَخَّرِ، إلَّا أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا مَوْتٌ أَوْ طَلَاقٌ، فَتَقُومَ عَلَى حَقِّهَا.
قُلْت أي قال ابنُ القيم: مُرَادُهُ بِالْمُؤَخَّرِ: الَّذِي أُخِّرَ قَبْضُهُ عَنْ الْعَقْدِ، فَتُرِكَ مُسَمًّى، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ: الْمُؤَجَّلَ. فَإِنَّ الْأُمَّةَ مُجْمِعَةٌ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تُطَالِبُ بِهِ قَبْلَ أَجَلِهِ، بَلْ هُوَ كَسَائِرِ الدُّيُونِ الْمُؤَجَّلَةِ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ: مَا يَفْعَلُهُ النَّاسُ مِنْ تَقْدِيمِ بَعْضِ الْمَهْرِ إلَى الْمَرْأَةِ، وَإِرْجَاءِ الْبَاقِي، كَمَا يَفْعَلُهُ النَّاسُ الْيَوْمَ، وَقَدْ دَخَلَتْ الزَّوْجَةُ وَالْأَوْلِيَاءُ عَلَى تَأْخِيرِهِ إلَى الْفُرْقَةِ، وَعَدَمِ الْمُطَالَبَةِ بِهِ مَا دَامَا مُتَّفِقَيْنِ.
وَلِذَلِكَ لَا تُطَالِبُ بِهِ إلَّا عِنْدَ الشَّرِّ وَالْخُصُومَةِ، أَوْ تَزَوُّجِهِ بِغَيْرِهَا، وَاَللَّهُ يَعْلَمُ - وَالزَّوْجُ وَالشُّهُودُ وَالْمَرْأَةُ وَالْأَوْلِيَاءُ - أَنَّ الزَّوْجَ وَالزَّوْجَةَ لَمْ يَدْخُلَا إلَّا عَلَى ذَلِكَ وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ يُسَمِّي صَدَاقًا تَتَجَمَّلُ بِهِ الْمَرْأَةُ وَأَهْلُهَا، وَيَعِدُونَهُ - بَلْ يَحْلِفُونَ لَهُ - أَنَّهُمْ لَا يُطَالِبُونَ بِهِ.
فَهَذَا لَا تُسْمَعُ دَعْوَى الْمَرْأَةِ بِهِ قَبْلَ الطَّلَاقِ، أَوْ الْمَوْتِ، وَلَا يُطَالَبُ بِهِ الزَّوْجُ وَلَا يُحْبَسُ بِهِ أَصْلًا، وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى ذَلِكَ، وَأَنَّهَا إنَّمَا تُطَالِبُ بِهِ عِنْدَ الْفُرْقَةِ أَوْ الْمَوْتِ، وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي لَا تَقُومُ مَصْلَحَةُ النَّاسِ إلَّا بِهِ.
قَالَ شَيْخُنَا يعني قال شيخ الإسلام ابنُ تيمية: وَمِنْ حِينِ سُلِّطَ النِّسَاءُ عَلَى الْمُطَالَبَةِ بِالصَّدَقَاتِ الْمُؤَخَّرَةِ، وَحَبْسِ الْأَزْوَاجِ عَلَيْهَا، حَدَثَ مِنْ الشُّرُورِ وَالْفَسَادِ مَا اللَّهُ بِهِ عَلِيمٌ.
787 views11:26