عبد الله بن عبد الأسد هو من الصحابة الأجلاء السابقين إلى الإسلام ، و أمه هي (( برة بنت عبد المطلب )) عمة النبي صلى الله عليه وسلم .. ، و تربطه بالنبي رابطة أخرى ، فهو أخوه في الرضاعة .. .. ، و قد من الله عليه بزوجة صالحة تقية (( حكيمة )) ذات عقل راجح و رأي سديد ، و هي (( هند بنت أمية )) ، فتحملا معا صعوبات (( الطريق إلى الله من أوله )) .. ، ثم هاجرا مع المهاجرين إلى الحبشة ، و لكنهما عادا إلى مكة بعد فترة ..
.. ، و عندما أذن النبي صلى الله عليه وسلم بالهجرة إلى المدينة قرر (( عبد الله بن عبد الأسد )) أن يأخذ زوجته (( هند )) و ابنهما (( سلمة )) ليهاجروا فرارا بدينهم ..
فكان أبو سلمة رضي الله عنه (( أول مهاجر في الإسلام )) فقد هاجر قبل بيعة العقبة بسنة ، بسبب ما لاقى من الإيذاء الشديد من قومه ..
فلما أجمع أبو سلمة الخروج إلى المدينة بدأت (( المحنة ))
.. ، فقد جهز راحلته و أخذ أهله و بدأ يتحرك .. ، فرآه رجال من قوم (( أم سلمة )) قاموا إليه ، فقالوا له : (( هذه نفسك غلبتنا عليها ، أرأيت صاحبتك هذه .. ؟!! علامَ نتركك تسير بها في البلاد .. ؟!! )) .. ، فنزعوا خطام البعير من يده ، فأخذوا منه زوجته و ابنه الطفل الصغير ..!! .. ، فغضب عند ذلك بنو عبد الأسد (( رهط أبي سلمة )) ، فقالوا : (( لا والله .. لا نترك ابننا عندها إذ نزعتموها من صاحبنا ))
.. ، و تقول أم سلمة واصفة ذلك المشهد الذي يدمي القلب : (( فتجاذبوا ابني ( سلمة ) بينهم حتى خلعوا يده ، و انطلق به بنو عبد الأسد .. ، و حبسني قومي عندهم .. ، و انطلق زوجي أبو سلمة إلى المدينة .. ، ففرقوا بيني و بين زوجي و بين ابني .. ، فكنت أخرج كل غداة فأجلس بالأبطح ، فما أزال أبكي حتى أمسي .. سنة أو قريبا منها .. حتى مر بي رجل من بني عمي ، فرأى ما بي ، فرحمني ، فقال لقومي :
(( ألا تخرِجون هذه المسكينة .. ؟!! .. ، فرقتم بينها و بين زوجها و بين ولدها .. ))
.. ، فقالوا لي : (( الحقي بزوجك إن شئت )) .. ، ورد بنو عبد الأسد إلي عند ذلك ابني ..
.. ، فارتحلت بعيري ، ثم أخذت ابني فوضعته في حجري ، ثم خرجت أريد زوجي بالمدينة .. .. ، و ما معي أحد من خلق الله .. ))
............. ............. .............
(( الشهامة .. الرجولة .. ))
.. ، فلما وصلت السيدة / أم سلمة إلى (( التنعيم )) لقيت عثمان بن طلحة .. و كان لا يزال على الشرك .. .. ، فقال لها : (( إلى أين يا بنت أبي أمية .. ؟!! ))
.. ، فاضطربت أم سلمة اضطرابا شديدا ، فعثمان بن طلحة من زعماء قريش الكبار ، و هي لا تعرف كيف سيتعامل معها .. ؟!!! .. ، فقالت له : (( أريد زوجي بالمدينة )) .. ، فقال متعجبا : (( أَو ما معكِ أحد .. ؟!! )) .. ، قالت : (( لا والله .. إلا الله ، و بني هذا ))
.. ، فاشفق عليها عثمان بن طلحة و قال لها : (( و الله ما لك مِن مترك )) .. ، فأخذ بخطام البعير فانطلق بها نحو المدينة ... !!!!
فسبحان الله العظيم الذي بيده قلوب العباد و نواصيهم ، فيسخرهم كيف يشاء ، و يتولى أولياءه و يرعاهم .. و لو بأعدائه ... !!!
و ما أعجب تلك (( النخوة )) و الرجولة التي لا نراها الآن في كثير ممن ينتسبون إلى الرجال في زماننا ... !!!
عثمان بن طلحة لم يأخذ بيد امرأة عمياء ليعبر بها الطريق في لحظات ، بل عزم على أن يأخذ (( أم سلمة )) و ابنها ليعبر بهما صحراء قاحلة في سفر شاق لا يقل عن عشرة أيام ( ذهابا فقط ) ، و سيقطع مسافة تقدر ب 500 كيلو مترا بين مكة و المدينة .. !! .. ، و كل ذلك خوفا على ( بنت بلده ) من مخاطر الطريق .. ، رغم أنه ليس على دينها .. ، و لم يكن يحتسب ثوابا عند الله ، لأنه .. كما تعلمون .. لم يكن مؤمنا باليوم الآخر و لا بالجنة .... !!!!
و لعل هذا الموقف يبين لنا لماذا استأمنت قريش (( عثمان بن طلحة )) بالذات على مفتاح الكعبة ..؟!! .. ، و لماذا ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم مفتاح الكعبة عنده حتى بعد أن فتح مكة .. ؟!!