Get Mystery Box with random crypto!

تفنيد شبهات القيام للجماد | العلامة #محمد_علي_فركوس حفظه الله | 📲 مَنَابِرُ اَلْخَيْرِ اَلْسَلَفِيَةَ 📲

تفنيد شبهات القيام للجماد | العلامة #محمد_علي_فركوس حفظه الله

الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على مَن أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:


فقدِ قدِ اطَّلَعْتُ على مجموعةِ رُدودٍ تمسَّك بها المخالفون مِنْ جمعيَّاتٍ وهيئاتٍ إسلاميَّةٍ عُلْيَا في مسألةِ حكمِ القيامِ للجمادِ مِنَ التماثيلِ والسيفِ والعَلَمِ والنُّصُبِ وَالمدفعِ وسائرِ أنواعِ الأشياءِ والجماد، فوجَدْتُها مفرَّغَةً عنِ الدليلِ والحجَّة، وقد جاء في فتوى دارِ الإفتاءِ المصريةِ ـ هَدَاهَا الله ـ ما نصُّه:

«أنَّ تحيَّةَ العَلَمِ بالنشيدِ أو الإشارةِ باليدِ في موضعٍ معيَّنٍ إشعارٌ بالولاءِ للوطنِ والالتفافِ حول قيادتِه والحرصِ على حمايتِه، وذلك لا يدخل في مفهومِ العبادة، فليس فيها صلاةٌ ولا ذِكْرٌ حتَّى يُقالَ: إنَّها بدعةٌ أو تقرُّبٌ إلى اللهِ»(١).

وقال آخَرُ: «إنَّ هناك اختلافًا بين تعظيمِ العبادةِ وتعظيمِ العادةِ التي يدخل ضِمْنَها تحيَّةُ العَلَم، ولا شيءَ فيها؛ لأنَّها ليست عبادةً، ولأنَّه لا أحَدَ يتعبَّد للهِ بتحيَّةِ العَلَم»، ومِنْ أغربِ ما سمعتُه ممَّنْ حُرِمَ العِلْمَ: «أنَّ تعظيمَ الرايةِ والاستشهادَ في سبيلِها؟! أثناءَ الحروبِ على عهدِ رسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم وقِصَّةَ جعفرٍ الطَّيَّارِ في غزوةِ مؤتةَ خيرُ دليلٍ على ذلك حين رَفَض تَرْكَ الراية»، وأضاف غيرُه: «أنَّ الوقوفَ للنشيدِ الوطنيِّ أمرٌ محبَّبٌ لأنَّ دِينَنا الحنيفَ يؤكِّد أنَّ حبَّ الوطنِ مِنَ الإيمان، وأنَّ هذه السلوكاتِ رمزيَّةٌ، واصطلاحاتٌ لا علاقةَ لها بالشرع، وأنَّ الاستماعَ للنشيدِ والوقوفَ للعَلَمِ يدخل في شكلِ تقديرِ الوطنِ والولاءِ له»، وغير ذلك مِنْ مضامينِ الانتقادِ والردِّ الذي يتمحور في شُبَهٍ متهافِتَةٍ أُجيبُ عنها على الوجهِ التالي:

تفنيد الشبهةُ الأولى: تمويه حقيقة راية النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم بالباطل

إنَّ رايةَ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في الغزواتِ والحروبِ لا يُنْكِرها إلَّا جاهلٌ، وقد عَقَد لها المحدِّثون بابًا: «ما جاء في الراياتِ» مِنْ كُتُبِ السُّنَّة(٢)، وقد أعطاها النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم لأبي بكرٍ وعُمَرَ رضي الله عنهما في غزوةِ خيبرَ، ثمَّ قال: «لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ ـ أو: لَيَأْخُذَنَّ بِالرَّايَةِ ـ غَدًا رَجُلٌ يُحِبُّهُ اللهُ وَرَسُولُهُ ـ أو قال: يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ ـ يَفْتَحُ اللهُ عَلَيْهِ»(٣)، فأعطاها لعليٍّ رضي الله عنه، وكذلك وَقَع مع زيدِ بنِ حارثةَ وجعفرِ بنِ أبي طالبٍ وعبدِ اللهِ بنِ رواحةَ وخالدِ بنِ الوليدِ رضي الله عنهم في غزوةِ مؤتةَ(٤)، وغيرها مِنْ وقائعِ السيرة.

هذا، وحروبُ المسلمين تكشف بجلاءٍ أنَّ الرايةَ التي تُعْقَد في طَرَفِ الرمحِ وتُتْرَكُ مِنْ غيرِ لَيٍّ لتصفقَها الرياحُ ما هي إلَّا عَلَمٌ يُحْمَل في الحربِ يُعْرَف بعلامةٍ متميِّزةٍ، وبارتفاعِها عاليةً تُرى مِنْ بُعْدٍ ليسهلَ معرفةُ موضعِ صاحبِ الجيشِ وقائدِه ليكونَ الناسُ تبعًا له(٥)، قال ابنُ حجرٍ ـ رحمه الله ـ: «الرايةُ لا تُرْكَزُ إلَّا بإذنِ الإمام؛ لأنَّها علامةٌ على مكانِه فلا يُتَصَرَّف فيها إلَّا بأمرِه»(٦)، فكان المقصودُ مِنَ الرايةِ أنَّها وسيلةُ حربٍ وعلامةُ دلالةٍ على القائد، وليست محلَّ تعظيمٍ وتقديسٍ كما يريد المخالفون أَنْ يموِّهوا بمزجِ الحقِّ بالباطل.

فحاصلُ الجوابِ ـ إذن ـ ما يلي:

ـ الرايةُ داخلةٌ في إعدادِ العُدَّةِ الماديَّةِ المأمورِ بها في قولِه تعالى: ﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا ٱسۡتَطَعۡتُم مِّن قُوَّةٖ وَمِن رِّبَاطِ ٱلۡخَيۡلِ تُرۡهِبُونَ بِهِۦ عَدُوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمۡ﴾[الأنفال: ٦٠]، فشأنُ الرايةِ كغيرِها مِنْ وسائلِ الحربِ: كالسيفِ والرمحِ والقوسِ والنَّبلِ ونحوِ ذلك، ولم يَثْبُتْ في هذه الجماداتِ الحربيةِ أيُّ مُستنَدٍ شرعيٍّ أو تاريخيٍّ يدلُّ على مظاهرِ التعظيمِ والعبادةِ مِنَ الوقوفِ لها والانحناءِ بطأطأةِ الرأسِ أو الخشوعِ لها بقطعِ الأنفاسِ وتركِ الحركة، أو حملِ العَلَمِ في وسادةٍ والانبطاحِ على الأرضِ إذا ما سَقَط العَلَمُ، وغيرِها ممَّا هو معروفٌ عند المخالِفين والمموِّهين وأضرابِهم.

ـ الرايةُ تختصُّ بالجيوشِ والحروبِ، فهي اسمٌ على عَلَمٍ يحمله القائدُ في الحربِ بعلامةٍ متميِّزةٍ ـ كما تقدَّم ـ تجتمع جماعتُه تحته ويُعْرَف مكانُه؛ ليتماسكَ أفرادُ الجيشِ ويعرفوا مدى توغُّلِه في وسطِ المعركةِ بارتفاعِ الرايةِ عاليةً؛ ليكونَ مرجعًا لمَنْ تحت قيادتِه، على نحوِ ما تُرْفَع الراياتُ في الحجِّ لتَعرفَ كُلُّ مجموعةٍ مِنَ الحُجَّاجِ مرجعَها لتتبعَه إلى الغرضِ الذي جاء مِنْ أجلِه، فقولُ بعضِهم: «إنَّ أغلبَ الشُّهَداءِ كانوا يردِّدون كلمةَ «اللهُ أكبرُ» والرايةُ الوطنيةُ بأيديهم» لا يتنافى مع ما تقرَّر مِنْ جهةِ الإعداد، ولكنَّ موردَ المسألةِ مِنْ جهةِ التعظيمِ