من آفات مواقع التواصل الاجتماعي أنها صنعت مفهومًا مزيفًا للنجا | قناة محمد ديرانية
من آفات مواقع التواصل الاجتماعي أنها صنعت مفهومًا مزيفًا للنجاح، وأعادت تشكيل معيار التميز والإنجاز والشهرة على أسس خاطئة، فجعلت معيار الإنجاز والشعبية هو نشر المحتوى الغامض والغريب الذي يلفِت الانتباه ويُغذي الفضول ويجذب المشاهدات حتى لو كان كذبًا أو تفاهة، وليسَ العمق والامتلاء والمحتوى النافع الذي يلبي حاجات الناس، ويساعدهم في تحسين حياتهم وتطويرها.
ومن آفاتها أنها أدارت بوصلة كثيرين تجاه حصد إعجاب الآخرين وثنائهم وتفادي انتقادهم، وبالتالي أصبح معيار كثير من المستخدمين لنشر المحتوى هو أن ينشر ما يحبه الجمهور وليس ما يحتاجه الجمهور، وما يتوافق مع قناعات الناس (ولو كانت خاطئة) وليس ما يعبر عن قيمه ورأيه وقناعاته الخاصة؛ وذلك لتفادي الاصطدام معهم أو خسارة إعجابهم وثنائهم.
ومن آفاتها أنها أنشأت جيلًا جديدًا لا يتحمل اللقمة الكبيرة، و يزهد بالعلم والعلماء، وأهمية التراكم التدريجي وعامل الزمن والمنهجية في تأسيس أنفسهم فكريًا بشكل صحيح، فتجد كثيرين يكتفون بقراءة منشورات قصيرة أو عدة أسطر هنا وهناك .. بمواضيع متفرقة مختلفة .. كبديل عن الكتب والمحاضرات الممنهجة ويعتقدون أنهم بذلك قد أدوا واجب القراءة بشكل صحيح.
والمشكلة الأكبر أن ذلك يؤدي إلى إصابتهم بانتفاخ ثقافي .. حيث يتوهمون أنهم أصبحوا على دراية واطلاع كبيرين، فتجدهم يبدون آراء قطعية في شتى المجالات، ويتناولون الأمور بسطحية تامة لدرجة تفوتهم فيها كثير من البديهيات، ويسيؤون تقدير واحترام أهل العلم والمتخصصين وخبراتهم.
ولأن وسائل التواصل الاجتماعي صارت توفرُ طريقًا سهلة للشعور بالنجاح والإنجاز، صار كثير من الناس يستصعبون القراءة والجد والاجتهاد في بناء الذات ويزهدون فيها، ويبتعدون عن كل ما هو جدّي وطويل ويميلون لكل ما هو هزليٌّ وقصير. #محمد_ديرانية
