Get Mystery Box with random crypto!

(بوحُ من الذاكرة .. ذاكرة العيد) من طقوس وذكريات العيد الم | قناة محمد ديرانية

(بوحُ من الذاكرة .. ذاكرة العيد)


من طقوس وذكريات العيد المُحببة إلى قلبي في اليوم الأول للعيد .. زيارة المقابر بعد انتهاء صلاة العيد مباشرة .. ثم تناول طعام الإفطار الشامي التقليدي في المنزل، ثم التوجه لبيت جدتي (أم والدتي) لتناول الإفطار مجددا بصحبة أخوالي كلهم وأولادهم وأبناء عمومتهم وأولادهم، وكان العدد يصل إلى الستين تقريبًا ..

فكنا جميعا نجلس في "بيت المونة" .. ونتزاحم حول المدفئة لتجفيف ملابسنا من المطر، ثم نتحلق حول المائدة وننتظر الكبار حتى يتوافدوا ويجلسوا ويبدؤوا طعامهم لنلتحق بهم نحن الصغار، فكان لا يقاطع إفطارهم إلا الترحيب بقدوم ضيف جديد من الأقارب ليشاركنا فطور العيد، وكنا نحن الصغار نشاركهم الإفطار فيما خيالاتنا وعقولنا تسرح في أحلام وردية، وحساب مجموع العيديات التي سنجمعها من جيوب الحاضرين بعد انقضاء الجلسة.
وعندما كانت تلتقي عيون أحدنا بالآخر، كنا نحن الصغار نبتسم ونضحك في دهاء .. لأننا جميعنا كنا نتشارك نفس الهدف الذي سيتحقق بعد دقائق.

الأحاديث التي كانت تدور على المائدة عامة جدًا .. فكان الكبار يطمئنون على الأحوال ويباركون ويمازحون بعضهم، وكنا نصغي نحن الصغار لأحاديثم الودودة بغبطة، فيما كان بعضهم يتأمل وجوهنا بفضول بالغ، ليسألنا:
"أنت ابن من ؟ وأنت من أمك ؟ ما شاء الله كبرت"


لم يكن العيد ليصير عيدًا لولا قبلة جدتي رحمها الله والتي كانت تطبعها بحنان وحب على جبين كل فتى منا عندما يقبّل يدها في ختام هذه المعايدة الأسرية؛ حينها وما إن كنا نر الكبار يقومون و يتهيؤون للرحيل .. حتى كنا نصطف نحن الصغار على طول الغرفة .. بدءًا من صدرها .. ووصولًا إلى الباب لاستلام العيديات منهم، فكانوا يُسلّمون علينا واحدا واحدا ويضعون في أيدينا المال، وكانت المبالغ تتفاوت بحسب تقديرهم للعمر، ولذلك كنا نرفع أنفسنا على رؤوس أصابعنا أو نقف على الوسائد .. لنبدو كبارًا حتى نأخذ عيدية أكبر، وربما حاول بعضنا أن يقف في الدور مرتين ويتمنى ألا يُكتشف، فكان ينجح أحيانا ويخفق أحيانًا، وكنا نهمس بآذان بعضنا مباشرة في سعادة ولهفة وبراءة :
"كم أعطاك خالك ؟ هاه ؟ ارني .. افتح يدك !"

ونشعر بالزهوّ إن كانت عيديتنا أكبر وبالعدل إن كانت مساوية وبحزن عابرٍ إن كانت أقل، ثم نسارع للتظاهر بالوقار أمام الشخص التالي لاستلام العيدية منه، وهكذا حتى تمتلئ جيوبنا، ثم كنا نحصي ما جمعناه عدة مرات .. ونرتب الأوراق النقدية في جيوبنا، الكبيرة أولا ثم الأصغر فالأصغر، ونقارن ما بحوزتنا بين بعضنا.

بعد تلك الصباحية الحميمية، كنا نعود للمنزل، ونتحلق حول الشاشة الكبيرة لمشاهدة فيلم الرسالة لمصطفى العقاد .. ببساطته وروحانيته الأخاذة بصحبة العائلة، ثم نلقي التحيات على الأقرباء من أعمامي وأبناء عمومتهم وأقاربهم .. الأقرب أولًا ثم الأبعد ثم المعارف .. ثم تبدأ رحلة الزيارات بعدها بشكل ارتجالي ومنتظم في الآن نفسه ونتجول بعدها في الأسواق والحدائق ومدن الملاهي القديمة .. وتستمر جولتنا حتى المساء .. وكنا في الغالب .. نتناول العشاء خارج المنزل، ثم نعود في آخر ساعة من الليل منهكين متعبين، نحاول أن نتذكر ما مررنا به من أحداث ومغامرات خلال النهار، ونحاول أن نتفحص ملابسنا الجديدة .. قبل أن نخلعها ونغطّ في سبات عميق يتلوه يوم ثانٍ نستيقظ فيه كسالى متأخرين.

في الغربة والمنفى .. ومع تقدم العمر .. أبذلُ جهدا مضاعفًا لأحتفظ بالأسلوب أو الروح البلدية والريفية في قضاء العيد والاستمتاع به، بعيدًا عن السيولة والسرعة والمشاعر المفرغة الرقمية المصاحبة لوسائل التواصل الاجتماعي، وسأبذل وسعي لأورثه لأولادي وأولاد أشقائي أيضًا.

كل عام وأنتم بخير

كيف كانت ذكرياتكم حيال الأعياد ؟
#محمد_ديرانية

رابط القناة:
@MDdirania