اليومَ تضيقُ بالمرءِ نفسه، وتأخذُ الأيَّامُ حُلكةَ لونِها، ويُبصرُ حوله العالمَ المتغيِّر، ويعجزُ بعد ذلكَ أن يُحسِنَ صُنعا. السَّلام علَيك، يومَ دعَوتَ وأنذَرت، وحدَّثتَ وأشَرت، وعلَيتَ المنابرَ وفهَّمت؛ بأنَّ السَّاعةَ آتيةٌ لا محالة. يكادُ يكونُ رأسُ مالِنا، نحن المؤمنينَ بك، أن نسترجعَ أحاديثَك، لننهلَ مِن فقهِك، ومن سرِّ الله الَّذي استَودعَه فيك، كي نَفهمَ هذا الجنونَ الَّذي يحدثُ حولَنا. النَّاسُ في الخارجِ ظمآنةٌ لشربِ الدَّماء، وأنا هنا ظمآنةٌ لأن آمَنَ في سِربي، وأُعافى في بدَني، وأكتفي بِقوتِ يَومي، بصُحبةِ أهلي، ومَن أُحبّ. أخشى انقضاءَ الأيَّامِ سبهللا، فلا ندري ما الواجِب، ولا نستدلُّ على الفروض، ونتوه في دوَّامةِ متابعةِ الأحداثِ الدَّامية، أو استكمالِ ما علَينا فعله. أوقِنُ أنَّ كلامكَ عينُ الحقّ، ورسالتُك بصيرةُ الدُّنيا، ودعوتُكَ مشكاةُ الآخرة، وأنَّ حضورَك الآن لو كنتَ بيننا، لن يكلِّفَكَ في حلِّ النِّزاعِ أكثر من فنجانِ قهوة، لكن، عليكَ الصَّلاةَ والسَّلام، جرى عليكَ ما سيجري على ابنِ آدم، قضاءُ الموتِ في الدُّنيا. وأعلمُ أنَّا مُذ دفنَّاك، سائرونَ في جنازة. وما بَين تهويلٍ إعلاميّ، وصورٍ على أرضِ الواقع، أحاولُ إيجادَ تربةٍ صالحةٍ للفسيلةِ الَّتي في يدي، نزولًا عند حديثِك، وأمرِكَ ووصيَّتِك، فإن يكن فاتَني حظُّ هناءِ العيشِ في الدُّنيا، لم يفُتني حظُّ إدراكِ أجرِ السَّعيِ في الآخرة.
