Get Mystery Box with random crypto!

« لا تكن سبئياً .. ! » مقابلة العباد لنّعم اللَّه وأرزاقه الم | 2018

« لا تكن سبئياً .. ! »

مقابلة العباد لنّعم اللَّه وأرزاقه المتوالية ، والمتوافرة ، بين شكور وكفور ..
إلا أنَّ مما يُبدى له الغرابة ، أن تغدق النّعم على أقوامٍ لا يشعرون بها ، ولا يلحظونها ، بل يملّونها ، ويسئمون منها .. !
ويزعمون أنّه روتيناً مُملّاً يُستدعى لكسره ، وتغيره ..
فيدعون على أنفسهم بالشّقاء بعد الشّفاء ..
وبالعافية سقماً ..
فيستبدلون الّذي هو أدنى بالّذي هو خير ..
فمتزّوج يتمنى أن لم يكن متزوجاً ، فقد ملّ الزوجيّة ..
وصاحب عملٍ ، وتجارة يملّ ، عمله وتجارته ، ويودّ لو كان ساكناً ، عاطلاً عن العمل ..
وآخر قد ملّ الأطعمة والأشربة والخير الذي يقدّم له ، فبات يشتهي خبزاً جافًاً ، وكوزاً ، بعيداً عن هذه المتناولات ..
وآخر .. ملّ مركوبه ، وسيارته ، وابتئس منها ، فتمنى أن لو لم تكن عنده ركوبة ! ، وأن يجري على قدميه ، أو بوسيلة أخرى ، فيها نوع من المشقة والعناء ..
ومثلهم الذي يتمنى المرض ، والحزن ، على العافية .. فإنّا للَّه ..

ففي مسند الامام (١٤٠٦٧) عن أنس ، أنَّ رسول اللَّه - صلّى اللَّه عليه وسلم - دخل على رجل من أصحابه يعوده وقد صار كالفرخ، فقال له : " هل سألت اللَّه ؟ " قال : قلت : اللهم ما كنت معاقبي به في الآخرة، فعجله في الدُّنيا ، فقال له رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلّم - : " لا طاقة لك بعذاب اللَّه ، هلا قلت : اللّهم آتنا في الدُّنيا حسنة وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النّار ؟ ".

وما حال قوم سبأ منهم ببعيد .. فلما أظلّتهم النّعم ، وأسبغت عليهم الخيرات .. والجنان عن اليمن والشمال ، وقرّبت لهم البلاد .. أعرضوا عن ذلك كلّه ، وبطروا ..

{ فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ } .(سبأ -١٩)

فهذه عبرةٌ وعظةٌ لكلّ من حدثته نفسه بالملالة والسآمة من نعم اللَّه عليه ، وتواليها ، أن اشكر ولا تكفر ، والحظ ما أنت فيه من نعمة ، ولاتبطرها ، فتمزّق أرزاقك ، ويحبس عنك الخير ، ويذهب بك كلّ شتات .. وتصير أحاديث وأسمار المجالس ..

فليحمد اللَّه المتزوج على زواجه .. ولا يتمنى الفراق ، فيدركه رقّ العزوبية ، ويتقلب أحضان الانفراد ..

وليحمد اللَّه العامل على رزقه وكسبه ، ولا يتذمر ، ولا يتمنى تركه ، فيكبله الفقر ، والحاجة ، والعوز ..

وليحمد اللَّه الأب على نعمة الأولاد ، ولا يتمنى زوالهم وفقدهم ، فيذوق ألم الفقد ووخزه ..

فليصبر ويشكر .. فالنّعم تدوم بالشّكر ويبارك فيها ، وتزول بالجحد ، ونسيانها ، والتذمّر منها ، والنقمة موجبة محقها ..

يقول السعدي في تفسيره عن حال قوم سبأ : " وكان يُضرب بهم المثل فيقال: « تفرّقوا أيدي سبأ » فكلّ أحدٍ يتحدّث بما جرى لهم ، ولكن لا ينتفع بالعبرة فيهم إلا من قال اللَّه: { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ } صبّار على المكاره والشدائد ، يتحملها لوجه اللَّه ، ولا يتسخطها ، بل يصبر عليها ، شكور لنعمة اللَّه تعالى يُقِرُّ بها ، ويعترف ، ويثني على من أولاها ، ويصرفها في طاعته .

فهذا إذا سمع بقصتهم ، وما جرى منهم وعليهم ، عرف بذلك أنَّ تلك العقوبة ، جزاء لكفرهم نعمة اللَّه ، وأنَّ من فعل مثلهم ، فُعِلَ به كما فعل بهم ، وأنَّ شكر اللَّه - تعالى - ، حافظٌ للنّعمة ، دافعٌ للنّقمة ، وأنَ رسل اللَّه صادقون فيما أخبروا به ، وأنَّ الجزاء حقٌّ كما رأى أنموذجه في دار الدّنيا ! " .

واللَّه الهادي