Get Mystery Box with random crypto!

___ _ ﷽ سؤالٌ في رَوْضَةِ الشُّبُهَاتِ وَالْحُلُول: السّ | رَوْضَةُ الوِلَايَة

___ _

﷽ سؤالٌ في رَوْضَةِ الشُّبُهَاتِ وَالْحُلُول:

السّؤال رقم 1088:

طالعتنا بعض المحطات الفضائية اللبنانية قبل أيّام، والمعروفة ببعض برامجها المروّجة للظواهر الشاذة والبعيدة كلّ البعد عن ثقافة مجتمعاتنا العربية والإسلامية وقيمها؛ لأغراض مشبوهة باتت واضحة وجلية للكثيرين، طالعتنا ببرنامج استضافت فيه شخصاً معمّماً بعمامةٍ سوداء يدّعي أَنَّه درس العلوم الدينية مدة ٢٣ سنة، وظهر في البرنامج وهو يعزف الموسيقى، وجاء في حديثه أَنَّه لا مانع من الاستماع إِلَى الغناء والموسيقى، وهو نفسه يستمع إِلَى أغاني (فيروز)، وتحدّى أنْ يأتي له أحدٌ بآيةٍ أو روايةٍ تثبت مقولة إنَّ (صوت المرأة عورة)، بل هذه مقولة من مخترعات المشايخ ولا أساس لها في الدين، وعليه فيكون الغناء من المرأة والاستماع إليه جائزا. ما هو رأيكم في كلّ ذلك؟ (لبنان)

الجواب: ____ _

☆ أقارب الجواب عن هذا السؤال من خلال النصائح والملاحظات التالية:

⊙ أوّلاً: إِنَّنا نجد في البشرية ومنذ نشأتها أشخاصاً يتلبّسون بزيٍّ غير زيّهم، ويدّعون صفةً هم أبعد الناس عنها. ولا تختصّ هذه الظاهرة بالأمور المرتبطة بالدين والعلم، بل هي عامّة في جميع المهن والحرف والوظائف. فهناك مَنْ يدّعي أَنَّه طبيبٌ، أو صائغٌ، أو منجّمٌ، أو ... ، ويكون ادّعاؤه زوراً وبهتاناً؛ ولغرض الكسب المادي، أو الوجاهة الدنيوية. بل نلاحظ على مرّ العصور وفي جميع الملل والنحل أَنَّ المناصب المقدسة لم تسلم من مثل هذا، فهناك مَن ادّعى النبوّة، بل ما هو أعظم منها من الربوبية. وسوف يستمرّ هذا الأمر إِلَى قيام الساعة ما دامت هناك نفوس مريضة وشيطان يوسوس. وعلى هذا الأساس، لا ينبغي بوجهٍ من الوجوه أنْ تكون مثل هذه الادّعاءات الكاذبة موجبةً للابتعاد عن أصحاب تلك العناوين الواقعية والزهد في الاستفادة منها. فكما أَنَّ وجود مَنْ يدّعي الطبابة ومعالجة الناس كذباً وزوراً لا يستوجب أنْ نبتعد عن الأطبّاء قاطبةً، فكذلك الحال مع وجود شخص ينتحل صفة (العالم) و (رجل الدين) لا ينبغي أنْ نقلّل من أهمية هؤلاء والحاجة إليهم ولزوم الاستفادة من علمهم ودينهم. بل ـ بنحو عام ـ يمكن القول إنّ الانتحال والتزوير إِنَّما يكون في العادة في المقامات الشامخة والمهن المفيدة، فلا يصلح أنْ يكون ذلك موجباً لقلب الحقائق عمّا هي عليه. نعم، كلّ ذلك يدعونا إِلَى التدبّر والتدقيق أكثر، وأخذ ما نحتاج إليه من أصحابه الحقيقيين، والتفريق بين الادّعاء والواقعية.

⊙ ثانياً: إِنَّ أخذ الشهادات الجامعية في بعض العلوم المشتركة بين الجامعات والحوزة لا تجعل صاحب تلك الشهادة الجامعية (رجل دين) ولا (طالب حوزة). وإنّما هذا المصطلح (رجل الدين، وطالب الحوزة) لا يصدق إِلَّا على مَنْ تعلّم العلوم الدينية في المعاهد المتخصصة في ذلك منهجاً ومنهجيةً وسلوكاً. فلا يكفي لكي أصبح (رجل دين) أنْ أدرس الفلسفة في الجامعات العصرية، وإنْ نلتُ بدراستي هذه شهادة الدكتوراه، بل لا يكفي ذلك حتّى لو درستُ الفلسفة في المعاهد والحوزات الدينية مقتصراً عليها، دون سائر العلوم الشرعية. فرجل الدين، والعالم الديني: هو ذلك الشخص الَّذِي يتلقّى المعارف الدينية الشرعية إِلَى مستوى معيّنٍ على يد علماء الدين والشريعة المعروفين بعلمهم النافع، ومنهجهم الصحيح، وسلوكهم المبني على تقوى الله تبارك وتعالى، سواء حصل من خلال دراسته على شهادة جامعيّة أم لم يحصل. نعم لا بد له من شهادةٍ في العلم والمسلك من أقرانه ومن بيده الحلّ والعقد في المعاهد والحوزات الدينية.

⊙ ثالثاً: إِنَّ أصحاب الأقوال الشاذة والمسالك الزائفة كثيراً ما يحاولون خداع الجمهور من خلال التركيز على بعض المفردات والمسائل التي يتقبّلها العامّة بطريقةٍ عاطفية. ولذا ينبغي للنخب الواعية في مجتمعاتنا الإسلامية تنبيه الناس على خطورة الانجرار العاطفي وراء مثل هذه الدعاوى. وقد لاحظتُ شطراً من البرنامج المشار إليه في السؤال، فوجدتُ أَنَّ ذلك الشخص استعمل هذا الأسلوب بذكاء خادع. حيث إِنَّه حاول أنْ يروّج للجمهور المشاهد أَنَّ القول بتحريم الغناء نشأ من مقولة إِنَّ (صوت المرأة عورة)، هذا من جهةٍ. ومن جهةٍ أخرى: لمّا كانت العورة تحمل في الذهن مفهوماً قبيحاً لا يقبل المجتمع توصيفَ المرأة به، مع كون تلك المقولة ليست مستفادة من آيةٍ أو روايةٍ، كانت فكرة تقبّل ما يهدف إليه حينئذٍ ميسّرة أمام الفهم العام للمشاهد. والحال أَنَّ الأمر ليس كما ذكره في كِلا المقدمتين المشار إليهما.
¤ وذلك لأنّ حرمة الغناء لا ترتبط بأيّ شكلٍ من الأشكال بمقولة إِنَّ (صوت المرأة عورة)، والشاهد على ذلك أَنَّ الغناء فعلاً وانفعالاً (أي: غناء واستماعاً) لا ربط له بجنس المغنّي أو المستمع. فالغناء محرّمٌ صدر من امرأةٍ أم صدر من رجل، والاستماع إليه حرام، كان المستمع مماثلاً للمغني في الذكورة والأُنوثة أم مغايراً.