2021-09-06 21:32:11
حمير أنطاكية
أراد "جبران خليل جبران " أن يوصل معنى من خلال حوار فلسفي خيالي بين حمارين (الحفيد والجد).
حيث مر كلاهما فوق جسر أنطاكيا، فوجدا حجراً مكتوباً عليه: " هذا ما بناه الملك الروماني ....".
فدار حوار بين الحمارين، عرف فيه الحمار الحفيد أن الذي نقل أحجار الجسر هم أجداده الحمير، فوجه سؤاله للحمار الجد:
لماذا لم يكتبوا: هذا ما بناه حمير أنطاكيا ؟؟!! .
معنى فلسفي عميق يستحق الوقوف عنده.
حيث تخيل الحمار الحفيد أن مجرد مشاركة أجداده الحمير في بناء صرح الملك الروماني يستوجب تكريمهم وكتابة اسمهم بجوار الملك.
وحمل سؤاله تعجباً واستنكاراً لإهمال ذكر الحمير برغم ما بذلوه من مجهود وما تكبدوه من عناء، وبرغم دورهم المحوري في بناء صرح الملك .
ولكن الواقع يقول: إن الحمير مسلوبة الإرادة فاقدة الوعي تسير وفق أهداف يضعها قائدها، فهي في المحصلة مُسَّخَّرة لتنفيذ ما يُراد لها، لا ما تريده هي.
فالمسألة مسألة امتلاك الوعي والإرادة قبل توفر القوة والعدد والعتاد.
فإذا كان الجمل على ضخامته وقوته، يستطيع طفل صغير أن يروضه ويوجهه، فهذا طبيعي رغم فارق الحجم والقوة، لأن الطفل هنا هو صاحب الإرادة والهدف، والجمل مجرد أداة سُخْرَة.
وبغض النظر عما قد ينتفع به الحمير من بعض عطايا الملك، وما قد يتميز به الحمير ذوو الحيثيات الخاصة.
تقوم السياسة الثابتة للملك على سلب الإرادة والوعي عن الحمير بواسطة دعامتين أساسيتين هما:
التجهيل والإلهاء.
فالثور يتم تجهيله بإغماء عينيه وتركه يدور في الساقية بحركة دائرية عبثية بُغية رفع الماء حيث يريد مُسَّخِره.
ويتم إلهاؤه بالمنديل الأحمر في حلبة مصارعة الثيران، وبينما هو يَتَلَهى بمتابعة الهدف الوهمي تنغرس السهام في رقبته، حتى يَخِر صريعاً وسط صيحات الانتصار من مُسَّخِرِه.
ومازالت تلك القصة تتكرر وتتعدد أشكالها.
والخلاصة: أن أي إنسان أو شعب يسير في الحياة فاقد الوعي، مغمض العينين، مسلوب الإرادة، يعطي تفويضا على بياض لمن يقوده، فسيكون مصيره مصير حمير أنطاكيا؛ وظيفتهم فقط نقل أحجار لبناء صروحا لغيرهم .
427 views18:32