2022-12-14 09:55:11
لطيفة في شرح باب المد والقصر في الشاطبية
قال الشاطبي رحمه الله: (كَـ: جِئَ وَعَنْ سُوءٍ وَشَاءَ اتِّصَالُهُ ... وَمَفْصُولُهُ في أُمِّهَا أَمْرُهُ إِلَى)،
وقد جرت عادة الشرَّاح بأنهم يقولون بأن الشاطبي مثَّل للمد المتصل بمثال يائي: ﴿وَجِيءَ﴾ [الزمر: 69]، [الفجر: 23] وذكَرَه دون واو. وبمثال واويٍّ: ﴿عَنْ سُوءٍ﴾ [النساء: 149] والواو ليست من النص القرآني. وبمثال ألفيٍّ: ﴿شَاءَ﴾ [ورد في 56 موضعا] والواو ليست من النص القرآني.
فلما أتى على المد المنفصل مثَّل بيائي: ﴿فِي أُمِّهَا﴾ [القصص: 59]. وبمثال واويٍّ: ﴿وَأَمْرُهُ إِلَى﴾ [البقرة: 275] وذكَرَه دون واو.
وكثير من الشراح هنا يقولون: ضاق عليه النظم فلم يمثِّل بالمد المنفصل الألفيِّ. وقد وقفت على لطيفة لبعض الشراح هنا:
قال ابن النَّجِيبِين الهمَذاني (ت: 643 هـ): "ومثَّل للياء [هكذا في المطبوع، وأظن صوابها: للواو] بقوله: ﴿وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ﴾ [البقرة: 275]، والألف بقوله: ﴿أَلَا إِلَى اللَّهِ﴾ [الشورى: 53]، وما أشبه ذلك، فاستغنى بـــ: ﴿إِلَى﴾ عن ذِكْر ﴿أَلَا﴾". الدرة الفريدة (1/351).
قلت (طاهر): كأنه يريد أن يقول إنَّ ﴿إِلَى﴾ تصلح لسابق مذكور، وهو: ﴿وَأَمْرُهُ﴾ ليكون المثال الواوي، وتصلح للاحق مقدَّر، وهو ﴿أَلَا﴾ ليكون المثال الألِفي. وهو لطيف جدا.
أما أبو شامة الدمشقي (ت: 665 هــ) فقد قال: "وضاق على الناظم تمثيلُ الألفِ من القرآن في هذا البيت،
وإن كان حاصلا من جمعه بين المثالين في قوله: (أمها أمره)؛ لأن الغرض تصوير المثال، كما أنه في بيت آخر سيأتي مثَّل بـــ: (أوهلا) في آخر باب الهمز المفرد فقال: (كآدم أوهلا)، وليس (أوهل) في القرآن".
قلت (طاهر): وهو تخَلُّص في غاية اللطف من أبي شامة رحمه الله. وقريبا من كلام أبي شامة قال الـمُلَّا عليّ القاري (ت: 1014 هــ)، واقترح تعديل الشطر إلى: (ومفصوله في أمِّ ما إنْ له إلى)، والمراد: {فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ} [الأحقاف: 26]، {لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [العنكبوت: 17].
وكثير من الشراح حاول تعديل البيت ليشمل المثال الألفي مثل عبد الله الفاسي (656 هـ)، وغيره.
ومن الشراح مَن لم يتعرض لهذه المسألة أصلا، واكتفى بذكر الأمثلة. والأمر في ذاك هيِّنٌ. رحم الله إمامنا الشاطبي
كتبه حامدا ومصليا ومترحما
طاهر بن سعيد الأسيوطي
101 views06:55