Get Mystery Box with random crypto!

قصة ما قبل النوم قصة الفجر لقد تعبت أشعر أنه لا فائدة ترج | زمن الغرباء 🍃

قصة ما قبل النوم
قصة الفجر
لقد تعبت

أشعر أنه لا فائدة ترجى من أي شيء، لم أعد أعلم ما الهدف من كل هذا الذي أفعله، من سعيي المستمر ضد التيار ومحاولتي المستمرّة أن أزكي نفسي وأكون أفضل، لماذا لا أستسلم وأتوقف وأرتاح؟ لماذا لا أسير قليلاً مع هذا السيل!

= لم أفهم قصدك، كيف تشعر أنه لا فائدة من أي شيء؟

- انظر إليّ، أنا الوحيد في عائلتي وبين أصدقائي الذي لا يسمع الأغاني ولا يتابع المسلسلات، الوحيد الذي يشترك في الدورات الشرعية ويمتنع عن جلسات المقاهي والمولات، الوحيد الذي يترك مجلس أصحابه إن بدؤوا الحديث عن تلك الفتاة أو استغابة ذاك الشاب..
صرت أشعر بأني كائن فضائي وقع بالخطأ بين البشر، وأعلم وأفهم أن طوبى للغرباء وأن الإسلام سيعود غريباً كما بدأ، لكنني تعبت!
أشعر أن الأمة لن تتغير أبداً، أن الناس سيظلون هكذا يتبعون من يمتعهم ويعرضون عمن ينصحهم، أشعر أن عملي كله "على الفاضي"، لن يتأثروا أبداً ولن أحدث أي فرق في الأمة، سأعيش وأموت ولن يذكرني أحد!

= أشعر بك تماماً، الأمر فعلاً صعب ويحتاج كثيراً من الجهاد والصبر..
هي مواقف كثيرة تشعر بأنها تختبرك، بأن الله سبحانه وتعالى يرفع قدرك ويمتحن ثباتك..
أن ترى هذا الرفض وتقابل بهذا الصدام..
وهذا حقيقي جداً وأنت في أول الطريق..
صحيح أنك ملتزم منذ سنوات، لكنك في أول طريق الثبات، في أول طريق الاختلاف عن المحيطين وترك أمور كثيرة اعتادوها وألفوها حتى ظنوها الطبيعي الوحيد..

وانظر لما قاله ابن القيّم في شعورك هذا بالذات..
"إنَّمَا يجد الْمَشَقَّة فِي ترك المألوفات والعوائد من تَركهَا لغير الله فَأَما من تَركهَا صَادِقا مخلصا من قلبه لله فانه لَا يجد فِي تَركهَا مشقة إِلَّا فِي أول وهلة ليمتحن أصادق هُوَ فِي تَركهَا أم كَاذِب، فان صَبر على تِلْكَ الْمَشَقَّة قَلِيلا استحالت لَذَّة، وأجلّ مَا يعوض بِهِ الْأنس بِاللَّه ومحبته وطمأنينة الْقلب بِهِ وقوته ونشاطه وفرحه وَرضَاهُ عَن ربه تَعَالَى."
يعني هذا الألم الذي تصفه عرفه كثيرون قبلك أيضاً، فلا تخف ولا تحزن ولا تشعر بالوحدة، وتذكر الكنز الذي ينتظرك إن صبرت قليلاً فقط..
حتى يزول الألم وتأتي اللذة، يأتي الأنس بالله ورضا القلب وطمأنينته..
هذا الآن صعب.. لكنه لن يستمر..

= لكني أريد العودة للذي قلته في بداية كلامك.. لفكرة "أشعر أن لا فائدة" التي يزرعها الشيطان في نفوسنا في كثير من الأحيان..
انظر يا صديقي..
ما هي الفائدة التي نريد فعلاً؟ ما هو هدف المسلم؟ الغاية العظمى التي يعمل لها والتي على أساسها يقيّم إن كان هناك فائدة (=اقتراب من الهدف) أم لا؟

- الغاية رضا الله وجنته طبعاً!

= جميل.. وماذا عن تغيير الناس وبناء الأمة ونهضتها؟

- اه! نعم، وهذه طبعاً!

= وهنا محل الخلل..
يا صديقي، بناء الأمة ونهضتها والتغيير والتأثير بالناس أمورٌ نريدها ونحبها فعلاً، لكنها ليست مما نعتبر واجبنا الفردي القيام به، ولا هي مما نحاسب إن لم يحدث في حياتنا ولم يظهر على يدينا..

أنت وأنا مسؤولون عن يومنا وعن نفوسنا، طالما أنك تستثمر وقتك ويزيد الإيمان في قلبك ومازلت ثابتاً على دربك فهناك فائدة، هناك ما تستمر لأجله وتجاهد في سبيله..

هناك الأجر عند الله، هناك الذي يكتبه الملكان، هناك أوقات تستثمرها، أمور تتعلمها، تجاربٌ تكبر معها..

فكر في سميّة أم عمّار بن ياسر، هي أوّل شهيدة في الإسلام ولم تر من فتوحاته ودخول الناس فيه أفواجاً شيء، لقد بُشِّرت بالجنة مع أن الذي عملته كان الثبات "فقط"!

وبالتأكيد ومع ثباتك واستمرارك واستثمارك لوقتك وقيامك بما عليك نحو ربك ونفسك والناس فإنك ستؤثر بالأمة وستغيّر ولو بشخصٍ واحد رأى ثباتك أو مررت به، لكن عدم رؤيتك لهذا الأثر وربما عدم حدوثه كلّه في حياتك لا يعني أن تحزن أو تتألم أو تستسلم..

وهذه نقطة يلعب عليها الشيطان فينا كثيراً..
يقول للمعلّم أن يتوقف عن بذل الجهد لأن الطلاب مشاغبون، يقول للأم أن تقضي يومها على انستغرام لأن غرسها في أطفالها لم يثمر، يقول للشيخ أن يدع التعليم لأن حضور مجلسه قليل..

وكذلك يقول لك أن تتوقف لأن العالم لم يتغيّر بك، كأنّك بدأت هذا الطريق أصلاً من أجل الناس، لا من أجل نجاة نفسك وعتقها من النار وزرع الحسنات الجاريات لها..

ولذلك أريد أن أذكرك وأن تذكرني أيضاً كلّما نسيت.. أننا نعمل ونصبر لأجل ما عند الله وفي الآخرة لا في الدنيا، لعلّ الله يقرّ عيننا في الدنيا بما نحب، لكننا وإن لم يحصل أي من ذلك نستمر ونعمل ونجتهد ونصبر على صعوبات الطريق....
والله المستعان في كل حين..