Get Mystery Box with random crypto!

دخل رجال الإسعاف يحملون الجثمان وساروا به في ضوء القمر فوق ذلك | جِيد المعالي

دخل رجال الإسعاف يحملون الجثمان وساروا به في ضوء القمر فوق ذلك الرصيف الطويل في بيتنا، بخطى رتيبة وئيدة ذات إيقاع جليل مهيب على ذلك البلاط، في صمت الليل الرهيب، فخُيّل إليّ أنها جثة " هاملت " فوق أكتاف الأبطال.
وُضع الجثمان في إحدى حجرات الجناح، وكنا قد اتفقنا جميعاً على أن يكون تشييع الجنازة في الساعة الثالثة من بعد ظهر اليوم التالي، ونُصب صيوان أمام البيت وجيء بالمغسلين وحضرت غسله.. وكان المنظر لا يُنسى ،لقد بدأت الجثة بالتحلل، فقد مضى على الوفاة نحو أربع وعشرين ساعة وكنا في مطلع الصيف ،وحاول المغسلون أن يكتموا الرائحة بإطلاق البخور، واجتمع في المكان بعض الأقارب والأعمام، فرأيتهم يبكون البكاء المُرّ أمام المنظر، حتى أولئك الذين كان بينهم وبين أبي قطيعة خلال حياته ،ولكن دموعي أنا كانت جامدة كالصخر لأني كنتُ في وادٍ آخر، كنت أتأمل منظراً عجيباً قلما يتكرر، منظر وجه أعرفه وأحبه يتحول أمامي تحولات غريبة وسريعة.. هذا الأنف الذي أعرفه لأبي قد بدأ يتخذ شكلاً آخر وبدأ يلين كأنه قطعة جبن،والبطن قد انتفخ كأنه بالون يوشك أن ينفجر، معالم والدي أخذت تتفكك أمامي، كما يتفكك شكل سحابة في السماء ويتلاشى، إن الفناء إذن ليس كلمة تكتب على الورق ويلوكها اللسان ! ، كنت أتأمل كل ذلك مأخوذاً وقد نسيت تماماً أن الذي أتأمله هو والد يجب أن أبكيه.

توفيق الحكيم