Get Mystery Box with random crypto!

[المقال (213)] بسم الله الرحمن الرحيم ● نعمتان أفضل من الجنة | كشكول عزالدين أبوزخار للبحوث والمقالات العلمية

[المقال (213)]
بسم الله الرحمن الرحيم
● نعمتان أفضل من الجنة ●

الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد:
فمما جاءت به الشريعة الترغيب في الجنة بذكر ما أعده الله تعالى فيها من النعيم المقيم، وأنهار وقصور وجنان وعيون، ولحم طير مما يشتهون، وحور عين وغير ذلك مما ذكر في كتاب الله العزيز وسنة نبيه الأمين.
فالجنة وما فيها من نعمة مما أعده الله تعالى لعباده المؤمنين.
عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم يقول الله تعالى: ((أعددت لعبادي الصالحين، ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر ذخرا بله، ما اطلعتم عليه)).
ثم قرأ: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة: 17].
متفق عليه.
هذه الجنة لا يقدر قدرها إلا الذي خلقها.
قال الله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران: 133].
فعلى عظم هذه الجنة وكبرها وحسنها وجمالها وفضلها، خص أهلها بنعمتين خير منها وأفضل وأكمل.
النعمة الاولى: رؤية الله.
النعمة الثانية: رضوان الله.
وهاتان النعمتان بهما يكتمل ويطيب العيش في الجنة تكمل بهما السعادة.
قال العلامة السعدي رحمه الله في ((تيسير الكريم الرحمن)) : (({وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ} يحله على أهل الجنة {أَكْبَرُ} مما هم فيه من النعيم، فإن نعيمهم لم يطب إلا برؤية ربهم ورضوانه عليهم، ولأنه الغاية التي أمَّها العابدون، والنهاية التي سعى نحوها المحبون، فرضا رب الأرض والسماوات، أكبر من نعيم الجنات )) اهـ.
فلما كان رضوان الله ورؤيته في الجنة أكبر من النعيم المقيم، جاء في الشريعة الترغيب فيهما وبدل الوسع في الظفر بهما.

النعمة الاولى: رؤية الله.
تواترت نصوص السنة على رؤية الله عز وجل.
مما تواتر حديث من كذب *** ومن بنى لله بيتا واحتسب
ورؤية شفاعة والحوض *** ومسح خفين وهذي بعض
بل جاء في كتاب الله تقرير هذا المعتقد وبيانه في عدة مواضع.
قول الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } [القيامة: 22-23].
وقال الله عز وجل: {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ} [الأنعام: 103].
قال جل وعلا: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس: 26].
وقد فسرت الزيادة برؤية الله، وسيأتي في حديث صهيب رضي الله عنه عند مسلم.
وقوله تعالى: { لَهُمْ مَا يَشَاؤُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} [ق: 35].
قال البغوي رحمه الله في ((تفسيره)) : ((وهو قوله: {وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ}، يعني الزيادة لهم في النعيم ما لم يخطر ببالهم. وقال جابر وأنس: هو النظر إلى وجه الله الكريم)) اهـ.
وقال سبحانه: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين: 15].
أخرج أبو العباس السراج في تاريخه كما في ((فتح الباري)) لابن حجر، عن الحسن بن عبد العزيز الجروي وهو من شيوخ البخاري سمعت عمرو بن أبي سلمة يقول سمعت مالك بن أنس وقيل له: يا أبا عبد الله قول الله تعالى: { إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } يقول قوم إلى ثوابه.
فقال: (كذبوا فأين هم عن قوله تعالى: {كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ}).
وأخرج البيهقي في ((الاعتقاد)) عن ابن هرم القرشي أنه قال: سمعت الشافعي يقول في قول الله عز وجل: {كَلاّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ}، قال: (لما حجبهم في السخط كان هذا دليلاً على أنهم يرونه في الرضا).
وفي رواية عند البيهقي في ((مناقب الشافعي)) عن ابن هرم القرشي، يقول: سمعت الشافعي يقول في قول الله عز وجل: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ}.
قال: هذا دليل على أن أولياءه يرونه يوم القيامة.
وأخرج البيهقي في ((مناقب الشافعي)) عن الربيع بن سليمان يقول: كنت ذات يوم عند الشافعي، رحمه الله، وجاءه كتاب من الصَّعِيد - وهو اسم موضع - يسألونه عن قول الله جل ذكره: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} فكتب فيه: لَمَّا حجب الله قوماً بالسخط دلّ على أن قوماً يرونه بالرّضا.
[قال الربيع] قلت له: أَوَتَدِينُ بهذا يا سيدي؟
فقال: والله لو لم يوقن محمد بن إدريس أنه يرى ربه في المعاد لما عبده في الدنيا.
أما الأحاديث المتواترة فقد جاءت عن ثلاثين صحابيا تقريبا.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في ((فتح الباري)) : ((جمع الدارقطني طرق الأحاديث الواردة في رؤية الله تعالى في الآخرة فزادت على العشرين وتتبعها ابن القيم في حادي الأرواح فبلغت الثلاثين وأكثرها جياد وأسند الدارقطني عن يحيى بن معين قال عندي سبعة عشر حديثا في الرؤية صحاح)) اهـ.
مما جاء فيه بيان أن رؤية الله أفضل من نعيم الجنة.