2021-12-02 00:11:03
أرسل لي الصَّغير تسجيل قصير يقول لي :
[ السَّلامُ عليكِ مُعلّمتي الجميلة ، اليوم هو موعد أول حَلقة لي معكِ ، أنا مُتحمِّس لها بشدّة ].
سمعته وابتسمت ثمَّ أرسلت له رابط الحَلقة، أخبرته أنَّ موعد الحَلقة ستكون في تمام الساعة التاسعة وسأنتظره في الـغُرفة..
ولكنّي بعد ساعات قليلة أرسلت له رسالة أعتذرُ فيها عن اللقاء، وأخبرتهُ أنَّني مريضة بعض الشيء ، وأنَّني أُحبّه.
ظلَّ يُرسل لي تَسجيلات قصيرة في هذا اليوم، مرًّة يقول لي :
- كَيف حالك الآن مُعلمتي الجميلة ؟
ومرًّة يقصّ عليّ ما حدث في يومه..
أنا لا أعرفه، وهو لا يعلَم مَن أكون سوى أنَّني مُعلمته الجديدة الجَميلة - كما يقول لي - ولَكِن كان هُناك شيء جميل بداخل هذا الطفل الصغير، شيء مُميَّز، مرّ يومان وأرسلت لهُ رسالة أنَّني الآن أنتظره في الغُرفة.
دخل الفتى وألقى عليّ السلام، ثمّ ابتسم وقال : أخبريني ، هل أنتِ الآن بخير ؟
- نَعم أنا في نِعم كثيرة.
= الحَمدلله.. يا مُعلّمة أنا مُتحمِّس للبداية في رواية حَفص..
صمتُ لعدّة ثوانِ ثمّ قُلت - أخبرني في البداية مَا اسمك يا فتى ؟
- أنا يوسف.
- وأنا إسراء.
- أعلم ذَلك، أُمي أخبرتني.. وأخبرتني أيضًا أنَّني سأُحبّك.
صمتَ لدقيقة ثُمّ اكمل قائلًا :
انا قد انتيهتُ مِن رواية ورش عن نافع ، وأريد بشدّة أن أتعلّم رواية حَفص يا مُعلّمة، أنا أُحب الشيخ - المنشاوي - وأُحب سماع القُرآن بصوته وأن أتعلّم الرّواية التي يقرأ بها.
- أنتَ حاملٌ للقُرآن كاملًا يا يوسف؟
- بالطَّبع، أنا أحفظ القُرآن كاملًا برواية ورش عن نافع.
- كم عُمرك ؟
- أنا تسمع سنواتٍ ونصف.
- لاحول ولا قوة إلا بالله... وماذا عن التَّفسير؟ وهل تعرفُ قواعد التجويد أم أنّك حفظتهُ مِن التَّلقين يا يوسف؟
- أُمّي تشرح لي التَّفسير، أنا أستطيع أن أشرح لكِ سورة البقرة كاملة يا مُعلّمة، ولكنّي لا أستطيع شرح اي سورة أُخرى، فأنا لا أعلمُ غيرها..
صمتَ لثوانٍ وقال - حتّى الآن.. حتّى الآن فقط.
أنا قد سمعتُ القرآن الكريم، وتلوتُه، ومتى تعثرتُ في القراءة أذهب لأبي فيُرتّله عليّ .. والله يا مُعلّمتي أنا أحب القُرآن لأنّه كلام ربي ، وأحب الجلوس معه لأنّ مُحمد صلى الله عليه وسلم كان يُحب ذلك ، اقرأهُ وكأنّه عليّ أُنزل - كما يقول لي أبي دائمًا - أُحب تلك الجملة بشدّة يا مُعلّمة.. أخبريني لِمَ أنتِ حزينة ؟
- لأنَّني لَن أستطيع أن أُكمل مَعك.
- وَلِمَ ؟
- دعكَ مِن السَّبب يا صغيري ، ودعني أُخبرك بشيء ،
قرأت مرَّة بعض الكلمات .. لَم أرى أثارها سوى الآن.
[ ستندمين عندما تُشاهدين أناسا كانوا في مثل سنك وظروفك، شمروا على ساعد الجد، ووضعوا على أكتافهم سلاح العزم، وفي قلوبهم زاد الهمَّة،
وتركوا التَّفاهات الشبكية - التي تشغل بها يومك وليلتك الآن - وراء ظهورهم؛ قد وصلوا إلى مبتغاهم، ونالوا مرادهم، وترى أنك لا تزال في مكانك لا تبرحه، تسلمك تفاهة إلى أختها، وتخنق الغفلة أنفاسك.]
ولا أُخفيكَ سرًّا ،
تِلك الرواية الَّتي أنت يا صغيري مُتقنٌ لها أنا أتمنّي أن أتعلّمها مُذ ثلاثة أعوام، ولكنّي لَم أُشمّر لذلك قطّ ، وكأن الأحلام تتحقَّق بالتّمني فقط ، أخجلتني بشدّة عندما أخبرتني أنّك انتهيتَ منها.
عندما رأى دموعي قال لي : يا مُعلّمتي سأُعلِّمك إياها أعدك لا تحزني.
- أنا لستُ حزينة مِنك يا صغير، أنا فقط أبكي على تقصيري في حقّ القُرآن.
- القُرآن مُحبّ لصاحبهِ يا مُعلّمة.. ولكنّ صاحب القُرآن ليس بصديقٍ جيّد فهو الّذي يملّ.. تُعلِّميني حَفص وأُعلِّمك ورش .. ما رأيك يا صديقتي ؟
- صَديقتك تُحبّك بشدّة.
- نَبدأ يا مُعلّمتي الجميلة ؟
- رتّل يا صغيري.
[ جئتُ لأُعلّمهُ فأصبح هو مُعلِّمي.. كُل ما أرجوه مُستقبلًا أن يكون بيتي خالي مِن الغَضب القاسي والصُراخ والضجيج، أن يَكون ملاذ لعائلتي ، محَطة وقود تصبُّ لَهم بَعض الأمَل ، أُقدِّم لَهُم الحُبّ في أواني وأطباق فتتدثَّر أرواحهم ، نتجالس مَعًا لنتعلَّم وَنُعلِّم بعيدًا عن ضجيج مُجتمعٍ قد امتلئ بالفِتن، أتوَدَّد إليهم بالعَفو دائمًا ، وأسقُط عليهم الرَّطب جنيّا بالقُرآن والسُّنة..
كُل ما أرجوه أن أُخرج مِن صلبي طفلًا كهذا ..].
_إسراء عاطف.
90 views21:11