Get Mystery Box with random crypto!

الفقيه والسياسة، جدلية باجتهادات غير ثابتة العلاقة بين الفقيه | منشورات موسى الخوئي

الفقيه والسياسة، جدلية باجتهادات غير ثابتة
العلاقة بين الفقيه و المرجعيات الدينية مع الشأن السياسي بتفاصيله المعقدة لم تحظ بقناعة ثابتة من لدن فقهاء الاسلام و خاصة خلال العقود المتاخرة مع بروز الاسلام الى المعترك السياسي العالمي من خلال الجمهورية الاسلامية الايرانية وظهور نظريات صراع الحضارات كما نظريات السيادة والامرة العالمية و القطب اوحدية الامريكية التي جعلت الاسلام في واجهة التحديات القائمة بوجه الطموحات التسلطية للقوى الاستعمارية ومشاريعها المشبعة بنوازع اصولية توراتية و إنجيلية و عنصرية ايضا.

مهما اختلفت الاجتهادات الاسلامية للفقهاء الشيعة حول الراي الفقهي السياسي وموقعه بدءً من نظرية ولاية الفقيه التي اعتمدها الامام الخميني الراحل و مرورا بنظريات الولاية المحدودة في الامور الحسبية و وصولا الى نظريات العزل الكامل والانكفاء عن التعامل مع مجريات الشؤون السياسية بذريعة تفسيرات مبتورة عن عصور التقية الامامية فان مهمة الحفاظ على بيضة الاسلام مقابل الحملات العدوانية الكافرة تغدو جزءا من مهمة الفقيه المسلم بل تتخطى المهمة دائرة الفقيه لتشمل المكلف العادي حتى من دون فتوى جهادية بوجه الغزو والعدوان.
في التقرير التالي اشارة ذات مدلولات في طبيعة التعامل المرجعي الممكن والمطروح عاصرتها مع السيد الجد الامام الخوئي رحمه الله.

كانت الاحداث التي شهدتها ايران في العام 1979 والتي اسفرت عن بناء الجمهورية الاسلامية و دخول الاسلام الى المعترك السياسي العالمي تحولات غير مألوفة في العرف الحوزوي النجفي بل العرف السياسي العالمي حيث سميت الثورة بالزلزال في بعض مقالات السياسيين؛ لذلك كانت المواقف و التحليلات غير خاضعة لحقيقة مجريات الامور في الساحة الايرانية مع محاولات محمومة للسفارة الايرانية و بالتضامن مع حزب البعث لتشويه الوقائع و تزييف الصورة الاسلامية الغالبة على الشارع الايراني في المظاهرات التي اكتسحت مدن ايران عموما.

في حاشية الامام الخوئي رحمه الله لم يكن الأمر مختلفا فهناك تيار يتعامل مع الاحداث بمعلومات دقيقة وعينية و تيار آخر لا يتفاعل مع سقوط نظام الشاه على اساس ان النظام يمثل الدولة الشيعية الاقوى في العالم و هذا الراي كان ارثا و رؤية لمرجعية الامام الحكيم رحمه الله و معلوم أن هذا الراي لا يتفاعل مطلقا مع قضية بناء نظام سياسي و حكومي على اساس الشريعة الاسلامية.

في مناسبة من مناسبات الثورة الاسلامية و في اول صلاة جمعة اقيمت في طهران بامامة المرحوم السيد محمود طالقاني كنا نحن في زيارة موسمية بكربلاء و في الساعة الثانية كان بعض افراد البيت يتابعون اخبار الساحة الايرانية؛ بعد انتهاء النشرة الخبرية من اذاعة ايران خرج احد الحاضرين و عبر عن مجريات احداث اليوم بالتالي « خرجت المظاهرات في ايران تحمل صورا للنين و ماركس و تنادي بهتافات شيوعية »

خرج اخونا الاكبر السيد عماد و الذي استمع الى النشرة الخبرية ليصحح الخبر « لماذا هذا التحريف الكبير في الاخبار. ان الاذاعة تحدثت عن هيمنة الاسلاميين هيمنة مطلقة على الشارع و ان المصلين في الجمعة طالبوا بحكومة اسلامية ... و في بعض زوايا العاصمة طهران حاول البعض رفع صور لنين وماركس فعمل الناس على تمزيق الصور الشاذة عن الحركة الشعبية الاسلامية العامة». و بين نقل الخبر بصيغتيه المختلفتين فرق واضح.

صعدت الى الطابق العلوي من البيت وكان السيد الجد جالسا في غرفة بالطابق الاعلى و طرحت عليه تفاصيل الخبر و بروايتين مختلفتين و كيف ان الخبر الواحد يمكن ان يتغير خلال خمس دقائق راسا على عقب و من دلالة الى دلالة مضادة مما يتطلب الحذر في قبول النقولات والاخبار.

قال السيد رحمه الله : اي بني دعهم يقولون ما يشاؤون فاني قررت ان لا اتدخل في هذا الجدال الدائر باي شكل من الاشكال.

قلت: ان المواقف السياسية المتبناة لابد وان تتخذ بعد معرفة كاملة وتمحيص دقيق من خلال عناصر امينة و موثقة و اذرع مطمئنة متشرعة و خبرة طويلة الامد في امور السياسة ومن غير ذلك فان المواقف السياسية قد تصبح غير صائبة و قد تحمل مطبات غير امينة للمرجعيات الدينية. و لذلك فان التحفظ في اتخاذ المواقف والقناعات امر حصيف. و الامر بطبيعة الحال يختلف عن نظرية ابتعاد اصل الدين عن السياسة حيث يوكل الامام الخوئي مهام الجهاد والجهاد الابتدائي ايضا الى رؤية اهل الخبرة والاطلاع على مدارسة الظروف اي تحمل اهل الخبرة السياسية بمهمات الدفاع والجهاد وحفظ بيضة الاسلام.

في سنوات لاحقة و بعد الحرب البعثية على الجمهورية الاسلامية عمل النظام بكل قواه الشريرة و الاجرامية على الحصول على شكل من اشكال الدعم من الحوزة النجفية لشرعنة اهدافه و كان الموقف المبدئي الصارم والشرعي للسيد عدم تمكين النظام الكافر في نواياه رغم تحمله الضريبة القاسية لمقاومة ارادة السلطة الكافرة و قد بلغت مقتل واستشهاد العشرات من افراد حاشيته واسرته رحمه الله.

موسى الخوئي
٢٦ شعبان ١٤٤٢
.