Get Mystery Box with random crypto!

مقدمة نَفيسة حبّرها الإمام أبو بكر الإشبيلي رحمه الله لكتابه ( | الراسخون في العلم

مقدمة نَفيسة حبّرها الإمام أبو بكر الإشبيلي رحمه الله لكتابه ( العاقبة في ذكر الموت ) تبين سنةً من سنن الله جلّ وعزّ في الطغاة والجبابرة:

"الحمد لله الذي أذلّ بالموت رقاب الجبابرة، وكسر بصدمته ظهور الأكاسرة، وقصر ببغتته آمال القياصرة، الذي أدار عليهم حلقته الدائرة، وأخذهم بيده القاهرة فقذفهم في ظلمات الحافرة، وصيرهم بها رهنا إلى وقفة الساهرة؛ فأصبحوا قد خسروا الدنيا ولم يحصلوا على شيء من الآخرة، مصيبتهم والله لا يجبر مصابها ولا يتجرع صابها ولا تنقضي آلامها ولا أوصابها.

لم يمنعهم ما حصنوه من المعاقل والحصون، ولا حرسهم ما بعثوه من الحرس والعيون، ولا فداهم من ريب المنون ما ادخروه من علق مصون وذهب مخزون؛ بل صدمهم بركنه الشديد، وصبحهم بجيشه المديد، وأنفذ فيهم ما كتب عليهم من الوعيد.

نقلهم من لين المهود إلى خشونة اللحود، وصيرهم بين حجرها المنضود وجندلها المعقود أكلا للهوام وطعماً للدود.

نظر إليهم بعينه الشوساء وأرسل عليهم كتيبته الخرساء فأذل عزتهم القعساء، وأبدل من نعمتهم بؤساً، وأنطق بالعويل ألسنة خرساً، وصيرهم حديثاً يذكر على مر الزمان ولا ينسى".

"الموت أمرٌ كبّار، لمن أنجد وأغار، وكأسٌ تدار فيمن أقام أو سار، وبابٌ تسوقك إليه يد الأقدار، ويزعجك فيه حكم الاضطرار، ويخرج بك إما إلى الجنة وإما إلى النار.

خبر - علم الله - يصمّ الأسماع، ويغير الطباع، ويكثر من الآلام والأوجاع.

واعلموا أنه لو لم يكن في الموت إلا الإعدام، وانحلال الأجسام، ونسيانك أخرى الليالي والأيام؛ لكان والله لأهل اللذات مكدرا، ولأصحاب النعيم مغيرا، ولأرباب العقول عن الرغبة في هذه الدار زاجرا ومنفرا، كما قال مطرف بن عبد الله بن الشخير: إنّ هذا الموت نغّص على أهل النعيم نعيمهم؛ فاطلبوا نعيماً لا موت فيه.

فكيف ووراءه يوم يعدم فيه الجواب، وتدهش فيه الألباب، وتفنى في شرحه الأقلام والكتاب، ويترك النظر فيه والاهتمام به الأولياء والأحباب!".

العاقبة في ذكر الموت؛ للإشبيلي

عادل الثبيتي