2021-10-14 23:47:48
هل تعرف ذلك الرجل الذي ما إن يراك مقبلًا على أحد آلات التدريب في صالة الألعاب (الجيم) حتى يقوم بتخفيف الأثقال من 50 كيلو جرامًا التي كان يلعب بها من قبلك إلى ثقل يناسب منظر عضلاتك النحيلة؟
في أول مرة حدث ذلك معي شعرت بالإهانة، يعني يا سيدي لا تحكم عليّ ودعني أبهرك، لكني بعد ذلك شعرت بالامتنان من ذلك الرجل الذي كان يحفظ لي ماء وجهي باستمرار.
تخيل لو دخلت إلى امتحان ثم خرجت بنتيجة مقبول، تمامًا درجة النجاح، 60%، هل كنت تخاطر بدخول الامتحان مرة أخرى؟!
الحظوظ غير مبشرة، والفرص ليس بها متسع، وأنت حرفيًا قد زٌحزِحت عن السقوط بستر الله.
أحيانًا أفكر أن ابتلاءات الدنيا الموضوعة لكل واحد منا وكأنها قد دخلت إلى عامل تخفيف وتلطيف قبلي فأصابنا منها ما نقدر فقط على تحمله!
مثل الصلاة التي كانت مفروضة بخمسين فرضًا ثم خففت إلى خمس!
فكر في كم فتاة قد نالت إعجابك، كم فتى قد أصابتكِ فتنته؟
كم منهم صبرتَ/ صبرتِ عن معصية الله معه/ ها. فقط لأنه لم يكن متاحًا غير ذلك لظروف كثيرة لم تكن فقط ممكنة؟!
تظن أنك لو وجدتَ ألفًا من الجنيهات لرددتَه إلى صاحبه، لكن ماذا لو وجدت حقيبة بها عدة ملايين؟
تحسب أنك محافظ على عبادة ربك لأنك تصلي الصلوات الخمس، ماذا لو كانت الفروض خمسين؟
بل ماذا لو كانت الزكاة المفروضة عليك 25%، أو كان واجبًا عليك أن تحج في كل عام؟ أو كان الصوم ستة أشهر؟ أو كان فرضًا عليك أن تتلو في اليوم من أجزاء القرآن عشرين؟!
يصبر أحدنا عن المعصية أو على الطاعة بسهولة، ولكن ربما أتت هذه السهولة فقط من حقيقة أن الاختبار محدد سلفًا بمقدار تحملك له!
يذكرنا الله بذلك فيقول: "وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ، إِن يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ"!
والإحفاء هو أخذ الشيء كله حتى منتهاه!
لا يفعل الله ذلك معنا؟ لا يخرج منا كل مقتضيات الإيمان لأنه يعلم كم بلغ ضعف إيماننا!
يعلم الله عز وجل أننا لو اختُبِرنا كما ينبغي لنا، لو طُلِبَ منا أن نخرج من أموالنا وأوقاتنا وكافة رغباتنا، لبخلنا بها وخرجت بدلًا منا أضغاننا الدفينة!
كمثل ذلك الرجل الذي وضع لك من الأثقال ما تقدر فقط على تحمله، أو مثل ذلك الاختبار الذي لولا أنه كان على هذه الدرجة بالظبط من السهولة ما كنت نجحت فيه بالكاد!
ذلك الإله الذي ما أراد منا ضجرًا ولا مشقة، وأراد بنا اليسر لا العسر، والتخفيف لا التكليف، وأراد أن يتوب علينا لأنه يعلم أن الإنسان خُلِقَ ضعيفًا، وأنه الغني ونحن الفقراء، وأنه يستحق منا أن يحفنا بكل ما نملك، ولكنه أحب لنا ألا تخرج منا أضغاننا، ثم تجاوز عن هذه الأضغان المدفونة التي يعلمها جيدًا، ثم بعد كل ذلك يثيبنا على صبرنا على ذلك الاختبار المخفف بأن يجزينا الجنة!
لأنه هو الله!
د.مهاب السعيد
37 views20:47