Get Mystery Box with random crypto!

ليست دنياك يا صاحبي ما تجده من غيرك، بل ما توجده بنفسك؛ فإن لم | عمالقة الأدب العربي المعاصر الرافعي المنفلوطي محمود شاكر الإبراهيمي

ليست دنياك يا صاحبي ما تجده من غيرك، بل ما توجده بنفسك؛ فإن لم تزد شيئا على الدنيا كنت أنت زائدًا على الدنيا؛ وإن لم تدعها أحسن مما وجدتها فقد وجدتها وما وجدتك؛ وفي نفسك أول حدود دنياك وآخر حدودها. وقد تكون دنيا بعض الناس حانوتًا صغيرًا، ودنيا الآخر كالقرية الململمة، ودنيا بعضهم كالمدينة الكبيرة؛ أما دنيا العظيم فقارة بأكملها، وإذا انفرد امتد في الدنيا فكان هو الدنيا.
والقوة يا صاحبي تغتذي بالتعب والمعاناة؛ فما عانيته اليوم حركة من جسمك، ألفيته غدًا في جسمك قوة من قوى اللحم والدم. وساعة الراحة بعد أيام من التعب، هي في لذتها كأيام من الراحة بعد تعب ساعة. وما أشبه الحي في هذه الدنيا ووشك وانقطاعه منها، بمن خلق ليعيش ثلاثة أيام معدودة عليه ساعتها ودقائقها وثوانيها؛ أفتراه يغفل فيقدرها ثلاثة أعوام، ويذهب يسرف فيها ضروبا من لهوه ولعبه ومجونه، إلا إذا كان أحمق أحمق إلى نهاية الحمق؟
اتعب تعبك يا صاحبي، ففي الناس تعب مخلوق من عمله، فهو لين هين مسوى تسوية؛ وفيهم تعب خالق عمله، فهو جبار متمرد له القهر والغلبة، وأنت إنما تكد لتسمو بروحك إلى هموم الحقيقة العالية، وتسمو بجسمك إلى مشقات الروح العظيمة؛ فذلك يا صاحبي ليس تعبا في حفر الأرض، ولكنه تعب في حفر الكنز.
اتعب يا صاحبي تعبك؛ فإن عناء الروح هو عمرها؛ فأعمالك عمرك الروحاني، كعمر الجسم للجسم؛ وأحد هذين عمر ما يعيش، والآخر عمر ما سيعيش.
#الرافعي