Get Mystery Box with random crypto!

فالغرض الأول للأدب المبين أن يخلق للنفس دنيا المعاني الملائمة | عمالقة الأدب العربي المعاصر الرافعي المنفلوطي محمود شاكر الإبراهيمي

فالغرض الأول للأدب المبين أن يخلق للنفس دنيا المعاني الملائمة لتلك النزعة الثابتة فيها إلى المجهول وإلى مجاز الحقيقة، وأن يلقي الأسرار في الأمور المكشوفة بما يتخيل فيها، ويرد القليل من الحياة كثيرًا وافيًا بما يضاعف من معانيه، ويترك الماضي منها ثابتًا قارًا بما يخلد من وصفه، ويجعل المؤلم منها لذًّا خفيفًا بما يثبث فيه من العاطفة والمملول ممتعًا حلوًا بما يكشف فيه من الجمال والحكمة؛ ومدار ذلك كله على إيتاء النفس لذة المجهول، التي هي في نفسها لذة مجهولة أيضًا؛ فإن هذه النفس طلعة متقلبة، لا تبتغي مجهولًا صرفًا ولا معلومًا صرفًا، كأنها مدركة بفطرتها أن ليس في الكون صريح مطلق ولا خفي مطلق؛ وإنما تبتغي حالة ملائمة بين هذين، يثور فيها قلق أو يسكن منها قلق.

وأشواق النفس هي مادة الأدب؛ فليس يكون أدبًا إلا إذا وضع المعنى في الحياة التي ليس لها معنى، أو كان متصلًا بسر هذه الحياة فيكشف عنه أو يومئ إليه من قريب، أو غيَّر للنفس هذه الحياة تغييرًا يجيء طباقًا لغرضها وأشواقها؛ فإنه كما يرحل الإنسان من جو إلى جو غيره، ينقله الأدب من حياته التي لا تختلف إلى حياة أخرى فيها شعورها ولذتها وإن لم يكن لها مكان ولا زمان؛ حياة كملت فيها أشواق النفس؛ لأن فيها اللذات والآلام بغير ضرورات ولا تكاليف؛ ولعمري ما جاءت الجنة والنار في الأديان عبثًا؛ فإن خالق النفس بما ركبه فيها من العجائب، لا يحكم العقل أنه قد أتم خلقها إلا بخلق الجنة والنار معها؛ إذ هما الصورتان الدائمتان المتكافئتان لأشواقها الخالدة إن هي استقامت مسددة أو انعكست حائلة.
#الرافعي