2022-06-10 22:03:24
العلماء والوعاظ، والخلط بينهما :
قال الخطيب البغدادي رحمه الله :
" واليوم كثُر المُفتُون بغير علمٍ ، بل يكادون يسدّون علينا منافذ الهواء من كثرتهم ، لكن أين من ينصف نفسه منهم ويصدُقُها ؟ وما كثّرهم إلاّ جهل النّاس بالشّرع ، فكلّ مُلتحٍ شيخ ! وكل صاحب عِمامةٍ فقيه!
فلو أنّ أمثال هؤلاء جلسوا للإفتاء في الزّمن الأوّل ، زمن العلم والصّدق ، لضُربوا بالنّعال والجريد ، ولطاردتهم الصّبيان في الأزقّة. "
[ الفقيه والمتفقّه ٢/١٦٠]
كان العوام قديما لا يُخطئون التفرقة بين رتبة الواعظ المذكّر، ومقام العالِم، وكذلك بين الطالب والشيخ.
واليوم نجد بعض (طلبة العلم)! يرفعون مرتبة الواعظ الداعية على مقام العالِم والمحقق، والطالب على الأستاذ!!
وهذا من علامات انتشار الجهل في أوساط (طلبة العلم)! وسببه انتقال معايير التقويم والتصنيف من أيدي العلماء إلى أيدي العوام (الإعلام والسوشيال ميديا ...) الذي يقوِّم الشخص حسب الجماهيرية وعدد الأتباع والخطاب الشعبوي الذي يروق للغالبية من غير المتعلمين وأشباههم.
وقد نبأنا الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا بوقوع هذا الخلل الكبير في آخر الزمان وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم (حتى إذا لم يبق عالمٌ اتخذ الناس رؤوسا جُهّالا) فاتخاذ الرؤوس العلمية والتربوية واعتمادها وتقديمها للناس كان عمل العلماء المدققين، وإن من علامات القيامة أن يصير هذا الاتخاذ والاعتماد من عمل جمهور مواقع التواصل وجماهير العوام من غير المتخصصين وضعفاء العقول في المحافل، فكم من شيخ وإمام وداعية اليوم حظي بتلك الأوصاف عن طريق (اتخاذ الناس) ولقلة دينهم فإنهم يستغلون جماهيريتهم للاستطالة على أهل العلم الحقيقيين والضغط عليهم واحتلال مواقعهم، وهذا هو عين ما أنبأ به الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم محذرا.
لكن الأعجب هو تسلل هذا المعيار الزائف إلى عقول كثير من (طلبة العلم)!! بفضل سطوة مواقع التواصل والإعلام على العقول، مع ضعف التمسك بالقواعد والمناهج العلمية السليمة.
إن أول ما يميز الطالب الحقيقي هو قدرته على التفرقة بين مراتب المتكلمين في الدين، فمن البدهيات لديه معرفة الفروق بين الواعظ والمفكر والعالم، وكذلك الفرق بين الطالب والمدرس والمعلم، وأن في كل مرتبة درجات، وتكون مرجعيته في التقديم والتأخير سؤال أهل العلم الكبار، إلى أن يكتسب ملكة النقد والتمييز.
إن انعكاس هذه المراتب في الذهن جهل مركب وله نتائج وخيمة، أما إن تعمد متعمدٌ عكسها فقد زاد على الجهل المركب عدم الخشية من الله، ورغبته في رفع نازلٍ على عال، ولا ينفك فاعل ذلك من رفع نفسه المريضة على مقام الراسخين في العلم وتجرُّئه عليهم، وهذا كله من أسباب هدم العلم والتمهيد لرفعه، والشقي من رفع شيء من الخير بفعله.
أعاذنا الله وإياكم من فتنة رفع الجهلاء على العلماء والصغار على الكبار.
223 views19:03