حين تخف الأشياء وتتفكك الظلال المحبوسة في هيئاتها الصارمة، وتب | ضفـة⛵
حين تخف الأشياء وتتفكك الظلال المحبوسة في هيئاتها الصارمة، وتبدأ الجنيات تسلّق أسيجة الحدائق ونباتات المجنونة وتتسلل من النظام الحميم لألواح الصبار. حين يراها بأم عينه، الجنيات، وهي تستريح على سلالم البيوت وهلال المئذنة والأدعية وتسابيح الفجر المبللة. حين تناديه جنيّة باسمه من الرف الخشبي في غرفة أمّه، التي لم يعد يتذكر ملامحها جيدا في الآونة الأخيرة، وهو ما كان يؤلمه ويبعث نحوه خوفا يكدّره.
حين يهبط المجذومون المعلقون على أشجار الحرش وتتلامع أعينهم الخائفة في أكمة البلوط في المنحدر، الذين وجدهم في رواية مسيحية لم يعد يتذكر كيف وصلت إلى مكتبته، حين يتحررون من الكتاب ومن أحجية المعجزة، ويبدأون التجول مثل حقائب مفتوحة على طرقات القرى القريبة، بوجوه مكشوفة وابتسامات يصعب تصديقها.
حين تلمس أقدامهم الأرض ويلتقطون أحجارا، فقط لأنها تتذكر طفولتهم القديمة وأصابعهم المشققة التي حرثتها اللعنة.
حين يسمع نباح كلبه الرتيب، كما لو أنه يأتي من الآبار المهجورة في السفح المتواري لذكرياته، كلبه الذي يعرج مجروحا على ضفة النهر منذ قتله الجنود هناك قبل ثلاثين سنة.
حين تختفي البيوت الجديدة على الجبل وتتلاشى في الغبش ورش البناء والرافعات والغرف الملفقة، كيفما اتفق، للعمال والحرس، ويبقى هناك ضوء وحيد لا يعرف مصدره، مثل نبع سرّي يكشف قناعه ليتنفس.
حين يرى الأشجار الميتة وتلك التي اقتلعتها الجرافات ومناشير الحطّابين وفؤوسهم المثلّمة وهي تنهض في الأخاديد، وتبدأ جمع أغصانها بثقة ميت وريبة شبح، وهي تنهض من هيئاتها المفتعلة؛ المقاعد في غرف الجلوس والحدائق، الرفوف ومكاتب الموظفين وكراسي المقاهي المتقشفة، من خزانات الملابس تاركة القماش معلقا في الهوة مثل أجساد مرفوعة دون أمل، وتمشي إلى الجبل كعائلة سعيدة ترجع للبيت بعد احتفال تنكري.
حين يبصر الأولاد الذين نسيتهم الدوريات الميتة والأرتال المخدوعة والصيحات العالقة في مصائد الليل، وهم يقطعون منهكين عتمة الجبل الباردة وعتمة الحقول المبللة نحو عتمة البيوت التي افتقدوها.
حين يحدث ذلك يدرك بقلبه، و على نحو يجهله تماما، أنه وصل إلى بلاده
