Get Mystery Box with random crypto!

• الطنطاوي والنمر وما أذكر أننا خفنا أو ارتعنا إلا ليل | اقتباسات


الطنطاوي والنمر

وما أذكر أننا خفنا أو ارتعنا إلا ليلة واحدة نزلنا فيها على طرف واد، وكانت ليلة حالكة السواد فما شعرت إلا الدليل محمداً الأعرج يجرُّ بيدي، فتبعته حتى ابتعدنا عن الرفقة، فأشار إلى جهة رأيت فيها كمثل المصباحين، فارتعت ودنوت منه فقلت: ما هذا؟
فقال وهو غير مكترث ولا مبال: هذا نمر! فنظرتُ إليه فإذا هو ساكن الطائر، وهادئ الجوارح كأنه حين يقول "نمر" يقول "كلب" أو "قط".

ولم أكن رأيتُ نمراً من قبل إلا في حديقة الجيزة بالقاهرة. فخفتُ والله وشعرتُ من الفزع كأن العقالَ طارَ عن رأسي ورجع، وما أنا بالجبان ولا الرعديد، ولقد عرَضَت لي الضبع مرةً، فما رأيتُ فيها كبير شيء، ولكن النمر في البادية في الليل لا يُرى منه إلا عينان كأنهما جمرتان؛ فلا، إن هذا مخيف.

أما الأعرج فما كان منه إلا أن مدَّ بندقيته وأطلق رصاصها على عيني النمر فأخطأهما، وانتقل ضوئهما المرعب إلى جهة أخرى، فعاد فأطلق ناره فأخطأه، وأبتعد النمر. فالتفت الأعرج ليعود فقلت: ويلك ماذا تصنع؟
فقال: وماذا تريد أن اصنع؟ لقد ذهب!
قلت: أفلا أوقظ الركب؟
قال: لا، بل نمْ أنت أيضاً. وتركني الخبيث وذهب فنام، وأنا أسمع غطيطه؛ ومرت عليَّ ليلةٌ وأين منها ليلة النابغة؟ كاد يقتلني النعاس، وكلما غفوت؛ توهمت النمر يحملني بين أسنانه كما تحمل الهرة الفأرة، فأفيق مضطرباً أنظر حوالي وأنا أتعوذ، حتى طلع الفجر وما أدري كيف طلع!

هذه هي ليلةُ الخوفِ عندي، فمن سخر من خوفي فأنا اسأل الله أن يريه نمراً في المنام لا في اليقظة لينظر ماذا يكون من أمره.

[ من نفحات الحرم | علي الطنطاوي : ٧٥ ]

#قصة
°