Get Mystery Box with random crypto!

العلم صناعةُ القلب وشُغْلُه؛ فما لم يتفرَّغ لصناعته وشغله لم ي | فوائد أثرية من بطون الكتب

العلم صناعةُ القلب وشُغْلُه؛ فما لم يتفرَّغ لصناعته وشغله لم يَنلْها، وله وِجْهَةٌ واحدة؛ فإذا وُجِّهَت وِجْهَته إلى اللذّات والشهوات انصرفَت عن العلم.

ومن لم تغلِبْ لذَّةُ إدراكه للعلم وشهوتُه على لذَّة جسمه وشهوة نفسه لم ينل درجةَ العلم أبدًا، فإذا صارت شهوتُه في العلم ولذَّتُه في إدراكه رُجِيَ له أن يكون من جملة أهله.

ولذَّةُ العلم لذَّةٌ عقليَّةٌ روحانيَّةٌ من جنس لذَّة الملائكة، ولذَّةُ شهوات الأكل والشراب والنكاح لذَّةٌ حيوانيَّةٌ يشاركُ الإنسانَ فيها الحيوان، ولذَّةُ الشرِّ والظلم والفساد والعلوِّ في الأرْض شيطانيَّةٌ يشاركُ صاحبَها فيها إبليسُ وجنودُه.

وسائرُ اللذّات تبطلُ بمفارقة الروح البدن، إلا لذَّةُ العلم والإيمان، فإنها تَكْمُلُ بعد المفارقة؛ لأنّ البدنَ وشواغلَه كان ينْقُصها ويقلِّلها ويحجُبها، فإذا انطوت الروحُ عن البدن التذَّت لذَّةً كاملةً بما حصَّلته من العلم النافع والعمل الصالح؛ فمن طلب اللذَّةَ العظمى، وآثر النعيمَ المقيم، فهو في العلم والإيمان اللذَين بهما كمالُ سعادة الإنسان.

ابن القيم || #مفتاح_دار_السعادة (1/ 400)