أنت زهرة شباب أبيك.. تمتص خيره وقوته وشبابه وعافيته.. فكلُّ قوة فيك ضعفٌ له ورِقّهٌ في عظامه.. وكل لحظة سعادة طِرْت بها في صباك -بناها لك بساعديه- هَدَّتْه في كِبره.. وكل صورة تقفز فيها فرحًا كان وراءها جندي مجهول حريص على توثيقها وأرشفتها.. ولتبحث في صور صباك عن صورة لأبيك.. لن تجد إلا صورةً لك باسمًا.. ضاحكًا.. هازلاً.. لاعبًا بكرتك.. ومسدسك.. وسعيدًا بحَلْواكَ.. ومصاصتك.. وبطاطسك المقرمشة.. أما أبوك فهو راسم البسمة الخفي.. راسم البسمة المنسيّ.. فبقدر حرصه على خلق بسمتك كان إنكاره لذاته وتجاهله لفرحة نفسه.. يتحمل نَزَقَ الأحداث وحماقة الناس لأجل بسمة ترتسم على شفتيك.. بل يراه جهادًا وسعيًا يستحق التضحية والفداء وتحمل مشاق الحياة وقسوة الأيام.. فبقدر سعادتك الظاهرة كانت سعادته المكتومة في صدره.. وبقدر حزنك على فوات شيء من محابك وتطلعاتك كان استياؤه من نفسه وشعوره بالملامة والتقصير.. كل ضربة كرة ركلتها قدماك كانت تزيدك قوة وتزيده هِرمًا وشيبة.. وكل لحظة كنت تزداد فيها صلابة كانت تخصم من رصيد قوته، وتقلِّل من مدة بقائه على وجه البسيطة.. كل قرش أو درهم أنفقته كان في مقابله عرق ونصب وهمّ وألم في الرأس والعينين لأبيك.. تذكّر صداع أبيك الذي لا ينقطع.. تذكر آلام قدميه وأسفل ظهره.. تذكر عروقه التي تنبض بحبك وحب إخوتك وقد تصلبت الدماء فيها يومًا من مرض أو صدمة.. تذكر تلك الدنيا التي حَطَمَتْه وأقعدته عن ملاعبة أبنائك وحملهم على كاهليه كما كان يصنع معك.. تذكر وتذكر وتذكر.. وكن لأبيك في كبره كما كان لك في صغرك. محمد غباشي #أبي 638 views18:07
