Get Mystery Box with random crypto!

#لِم_نحتاجُ_العُزلَة؟ إن في الإنسانِ جزءً لا يملأهُ شيئاً سِو | مكتبتي℡ | 📖🇸🇩

#لِم_نحتاجُ_العُزلَة؟

إن في الإنسانِ جزءً لا يملأهُ شيئاً سِوى الإنسان نفسهُ
هُوةً صغيرَة لا تمتلئُ أبداً..
حتى لو جلسنَا أمام الذينَ نحبهُم مدى العُمر ، حتى لو انشغلنَا بالعمَل والواجِبَات الثقيلَة والمواعِيد المتلاحِقَة والخرُوجَات وتجرُبة كل جدِيد ، حتى لو حصدنَا الإعجابات على مواقِع التواصُل ، ولفتنَا الإنتباه في السَّهرات والتجمُّعات ، حتى لو فاز فريقنَا المُفضَّل ، حتى لو تصدّرنا التريند على أحد المواقِع
حتى لو قضينَا حياتنا كُلها هاربِينَ من شبَح الوُحدَة ، إلا أن هذه الهُوة الصغيرة تتسعُ وتتسِع كلمَا حاولنَا ردمها بمَزيدٍ من الزِّحام!

وإن السّبيل الوَحِيد لسدّها في كلِّ مرة لا يكون إلا بِمُجالسةِ النَفس وسَبر أغوارهَا والتفكُّر في عيوبِها وحالهَا ، ومحاولَة فهم ما لهَا وما عليهَا
وهذه ليسَت دعوة للإعتكاف عن الحيَاة، ولكن القلِيل من العُزلة لا يضُر
العُزلة جزء من تكوِيننا كبشَر ، جزء من مصيرنَا الأزلِي
فلقد جئنَا فُرادَى وسَنذهبُ فُرادى وسنُحاسَب فُرادى
حتى لو كرِهناها ، حتى لو كنا نشعُر بالرُّعب منها
ومثلما أنَّنا نعطي أهميةً للعلاقات الإجتِماعية والمُجاملات اللّزِجة ، فإنه من الظُلم أن لا نعطي لأنفسنَا مُتنفسّاً ، ووقتاً مُستقطعاً لا يداهِمَه أحد ولا يفسِده أيّ مؤثِر خارجِي
رُكناً هادئ لإعادة الحِسابَات ، ومُراجعة الذّات ، وتعبئَة وقُود الرُوح المنهَكة ، وإحماءً للعَقل الذي أصابه الهزَال
وقتاً نُراجعُ فيه موقعنَا على خريطَة الآخِرَة ، ونكنّس فيه الذاكرة من مما لا يُفِيد ، ونستكشِف فيه طبيعتنَا وتغيُرَنا ومعدَّلات سيرنَا نحو هدفٍ أو حُلمٍ
وهذا لا يحدُث إلا حينما نضع الصخَب خارجاً ونغلقُ الباب مع هذه النفس التِي نهربُ منها طوال الوَقت
وأظنُّ أن الكثيرينَ فترة إنقطاع الإنترنت حاولوا سدّ الفراغ بشتَى السُبل ، إلا أن القليل فطِنوا إلى كمية الوقت المُهدَر من العُمر والذي لم تكُن السوشال ميديا تجعلنا نتوقف لنفكّر في كيفية قضاءهُ ، ببساطة اكتشفنَا أن أعمارنا منهُوبة!
في سبيل ماذا؟ ، لا ندري!
قرأتُ أن الإمام عليٌ بن أبي طالب قد قال مرّةً :
(يأتِي على النَّاسِ زمانٌ تكون العافية
فيه على عشرةِ أجزاء ، تِسعةٌ منها في اعتزالِ الناس ، والعاشرة في الصمت)
ولكن الناس في زمانِنا يخافُون من العُزلة!
العزلة التِي تعرّي الرُوح ، العزلة التي لا يسمح لك الهاتِف بأن تعيشها ، العزلة التي تجعلك تفكّر طوال الوَقت في :
(ولتنظُر نَفسٌ ما قَدّمت لِغَد) غَدُ الدّنيا و غَدُ الآخِرة
في زماننا نحتاجُ العزلِة ، ليس من الناس بالخارج فحسب مثلما يقول سيدنا عليّ ، بل من الناس الذينَ يشاركوننا عزلتنَا عبر الهاتِف!
التحدّي مُضاعَف بالتأكيد!

الفِكرةُ فقط هيَ
أن نُوازِن قدر الإمكان بين حاجتِنا (لهُم) وحاجتنَا (لنا) حتى لا يطغى جانبٌ على الآخر
وإنّ من السخافةِ أن نُصنِّف البشر بلفظَة (اجتماعِي) أو(متوحِّد) حسبمَا نرى من زاوِيتنا القاصِرة
فكَم من (اجتماعِي) يخالَه الناس سعيدٌ ، ويغبطونَه على كثرةِ الناس من حولِه ، وحُب النّاس له ، وهو وحدَه يعلَم أن تلك الكثرَة سراب ، ليست سوى رَدّ فعلٍ لفعل إن تلاشى تلاشُوا!
وكم من (متوحِّد) يخالَه الناس تعيِس، ويشفقُون على حالِه ، وهو وحده يعلَم أنه صاف البَّال ، لا يعطي النَّاس من حياتِه سِوى حقوقهُم تِجاههُ ، ولا يركُض خلفَ رِضاً عابِر ومصالِح مؤقتة ، مُكتفٍ بقليلٍ منهُم دائِم وغنيٌ عن كثيرٍ مُنقطِع
يعرف أن رضا البشَر ومحبتهُم متقلِّبة مثلما تتقلَّبُ الفصُول!
فالعاقِل من أدرَك
فما تعلّق بالفناءِ بل استدرَك

هذا الموقف كله ذكِّرني كِتاباً كنتُ قرأته قبل عام للكاتِب أفونسو كروش اسمهُ الكتُب التي التهمَت والدِي ، وما زِلتُ -لسببٍ ما- أحتفظُ منه بإسكرِين جرى فيه الحِوار التالي :
- أحبُّ بياترِيس
- ومن ذا الذي لا يُحبَّها؟
- لستُ أدري ، هي أيضاً تبدو لي شخصاً وحيداً
- لا تقُل حماقات يا بومْبو ؛ إنها دائماً مُحاطة بالنَّاس
- وماذا بعد؟ هذه هي أحسن طريقة للشعُور بالوحدة!


#مريم_الشيخ