Get Mystery Box with random crypto!

- حديثُ نعجتين استيقظت الشّمس من غفوتها، فانكمش الظلام واخت | مكتبتي℡ | 📖🇸🇩

- حديثُ نعجتين


استيقظت الشّمس من غفوتها، فانكمش الظلام واختفى، وفتحت الأرض ذراعيها احتفاءً بنور الصّباح.
هُناك في حضيرة فلاحٍ بسيطٍ ترقُد نعجتان، إحداهما سمينة مُكتنزة الجسم، وأمّا الثانية فتهمّ عظامُها أن تخرج من جلدها لشدّة هُزالها.


نهضت السّمينة من مضجعها، وانطلقت ترشف رشفاتٍ من الماء الذي تركه الفلاح مساء الأمس، ثم التقمت القليل من العلف اليابس، وأخذت تمضغه وهي تقول:
- تُرى أين سيُذهب بنا اليوم؟

ردت الهزيلة:
- سمعت الفلاح بالأمس يقول لزوجته أنّه سيأخذنا للمرعى الأخضر المُطلّ على الممر المُوصل للمدينة.

تركت السّمينة العلف من فمها، ثم رفعت صوتها قائلةً:
- مرحى مرحى! يا لحُسن حظي!
بجسدي الغضّ المُمتلئ، وصوفي الأبيض اللّامع، سأكون اليوم محطّة الأنظار، وقِبلة العقول.
كيف لا أكون ذات جمالٍ رفيعٍ، وثمنٍ باهظٍ، ولي هيئة حسنة، وطلّة بهيّة، أترنّح نعومةً، وأتمايل سِحرًا ودلالاً؟
أمّا أنتِ .. ويالبشاعة حظكِ، وزهد بختكِ،
فلا ينظر الناظر فيكِ إلا أحجمت نفسُهُ عن تِكرار النّظرة قرفًا وملالًا، جلدًا يابسًا يمسك كومة عظامٍ رثةٍ خِشية أن تقع على الطريق.
فماذا تظنين يكُون مآلكِ، وما ستجنينه حصيلة سوء أحوالكِ؟

تنهّدت الهزيلة ثم قالت:
- ويحكِ! إنِكِِ لن تُدركي الجمال وأنتِ تنظرين للخلائق بعين اللحم والشّحم، فمتى صار الجمال محصورًا بين جسدٍ مكتنزٍ وشعرٍ أملس، ومتى انحطّت مكانته فصار يُقدّر بالمال، ويُشترى ويُباع بغالي الأثمان؟
وأين جمال الخِلقة والشّكل، من ملاحة الطّبع، وحُسن الخُلق، وأناقة الرُوح؟
إنّي _ يا أختاه_ ومع هذا النُحول الذي ترينه أنتِ منقصةً وعيبًا، وأراه أنا حسنةً وكمالاً، خفيفةُ الحركة، سريعةُ الوثبة، عاليةُ الهّمة، واسعةُ الصّبر، لا أستسيغ الرّاحة، ولا يطيب لي العيش في دعةٍ وكسل، أرنو لمعالي الأمور، ولا تُثنيني المشاقُ عن الوصُول.
قولي لي _يا غالية الثّمن!_ ما أنتِ صانعة لو باغتنا الذئب يومًا؟ أتستطيعين الفِرار مع ما بكِ من ثِقل وزنٍ، وضخامة حجم؟


وبينما كانت النعجتان ترعيان الكلأ وتتحدّثان، إذ أقبل على الفلاح رجل غريب، في وجهه خُشونة وغِلظة، وفي يده حبل وسكين، اقترب من الفلاح ثم قال:
- بكم تبيعني تلك النّعجة؟ وأشار بيده للنعجة السّمينة.

فردّ الفلاح قائلًا:
- تلك النّعجة عزيزة القدر عندي، ولن أبيعها إلا بسعرٍ نفيس.

نقد الجزار النقود من الكيس، ثم وضعها في يد الفلاح،
تهلّل وجهُ الفلاح المسكين وقال:
- هي لك الآن.

عندها أخذ الجزار يمشي مُتثاقلًا باتجاه النعجة المذعورة، كي يحملها معه إلى السوق،
ركضت النعجة مُسرعة إلى أُختها وهي تقُول:
- أختاهُ أترين ما أرى؟ من هذا الذي يتحرّك نحوي حاملّا سكينًا لامعة؟

فردّت الهزيلة بثبات:
- دعيني ونُحولي وصبري للزّمن، وانظري ما عاقبة الغُرور يا ذات الثّمن.

"لكُل حالٍ حُلوها ومُرّها..
ما أدب النّعجة إلا صبرها."


ــــــــــــ وضحة عبد الله.