2022-08-29 14:45:05
من ميزات أهل السنة تعظيم الأثر والثبات على المنهج
والمراد مما سبق: أن تقديم أهل السنة والجماعة على غيرهم، وجعْلهم هم الفرقةَ الناجية ليس مصدره الهوى أو العصبية للرجال، وإنما بُني هذا على مقدمات قامت على العدل والإنصاف؛ فإنّ أخصَّ ما ميَّزَ أهل السنة والجماعة عن غيرهم مِن فرق الأمة أمران: (تعظيم الأثر، والثبات على المنهج).
١) فأما الأمر الأول فنقول: تعظيم الأثر هذا أحد أهمّ الدلائل على صحة الادعاء أن أهل السنة والجماعة هم الفرقة الناجية.
قال أبوالقاسم، الملقب بقِوام السنة:
"فإن قيل: كل فرقة تنتحلُ اتّباع السنة، وتَنسُبُ مخالفيها إلى خلاف الحق، فما الدليل على أنكم أهلُها دُونَ مَن خالفَكم؟ قلنا: الدليل على ذلك:
قول الله تعالى: {... وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا...} [الحشر: ٧]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «عليكم بسنتي، ومَن رَغِبَ عن سنتي فليس مني»؛ وعرفْنا سنته بالآثار المروية بالأسانيد الصحيحة، وهذه الفرقة الذين هم أصحاب الحديث: لها أَطْلَبُ، وفيها أَرْغَبُ، ولِصحاحها أَتْبَعُ؛ فعلِمنا بالكتاب والسنة أنهم أهلها دون سائر الفرَق" .
فاعتصام أهل السنة والجماعة بالآثار أمر بيّنٌ واضحٌ وُضوحَ الشمس في رائعة النهار، وليس أدلّ على صحة هذا الأمر- الذي هو اتباع ظواهر النصوص والعَضّ عليها بالنَّواجِذ - من كونه صار سُبة يُرمى بها أهل السنة والجماعة.
فقد أطلق المبتدعة على أهل السنة اسم " الحشوية "، والمعنى: أن أهل السنة والجماعة أصحاب حشْو في الكلام، أي: ما عندهم إلا " قال الله، قال الرسول"، ما عندهم قواعد عقلية، ما عندهم مقدمات منطقية.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية:
"وهؤلاء يَعيبون مُنازِعَهم: إما لجمعه حشوَ الحديث من غير تمييز بين صحيحه وضعيفه، أو لكون اتّباع الحديث في مسائل الأصول من مذهب الحشْو؛ لأنها مسائل علمية، والحديث لا يفيد ذلك؛ لأن اتباع النصوص مطلقاً في المباحث الأصولية الكلامية حشو؛ لأن النصوص لا تَفي بذلك".
وإن كانت هذه تُهْمةً فلَنِعْمَ التُّهَم
قال أبوالمظفَّر السمعاني:والذي يَزيد ما قلناه إيضاحاً: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حِينَ سُئل عن الفرقة الناجية قال: «ما أنا عليه وأصحابي»، بمعنى: من كان على ما أنا عليه
وأصحابي؛ فلا بد من تعرُّف ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابُه، وليس طريق معرفته إلا النقل؛ فيجب الرجوع إلى ذلك" .
أما المخالفون لأهل السنة والجماعة فقد تنكَّبوا الصراط، وخالفوا سبيل الرشاد؛ وذلك حينما جعلوا الدليل سَوْأة يجب سَتْرها بلباس العقل، وتَحْتَ هذا الانحراف خاضوا في التعطيل والتحريف والتشبيه والتكييف.
قال ابن أبي العز: "وكم جنى التأويل الفاسد على الدين وأهله مِن جناية! فهل قُتل عُثمانُ رضي الله عنه إلا بالتأويل الفاسد؟! وكذا ما جرى في يوم الجَمَل وصِفِّين، ومَقْتَل الحُسين رضي الله عنه، والحَرّة، وهل خرجت الخوارج واعتزلت المعتزِلة ورفضت الروافض وافترقت الأمة على ثلاث وسبعين فرقةً إلا بالتأويل الفاسد؟!.
وقال رحمه الله: "وكل من قال برأيه وذوقه وسياسته مع وجود النص، أوعارَضَ النص بالمعقول؛ فقد ضاهى إبليسَ؛ حيث لم يسلم لأمر ربه، بل قال: {أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ} [الأعراف: ١٢].
فلما كانت مناهجهم مستقاة من العقول والأهواء، وليس من النص الثابت المحكَم؛ وقعَ لهم ما وقع من التضارُب والتخبُّط؛ وهذا جزاء مَن تركَ الكتاب والسنة وأقبلَ على علوم الكلام التي لا ترفع مِن جهلٍ ولا تُغني من جوع
٢) وأما الأمر الثاني "الثبات على المنهج":
فمن سمات أهل السنة والجماعة الثبات على المنهج، وهذه مما حَظِيَ به أهل السنة والجماعة دون غيرهم من الفرق، فتقرأ كثيراً عن الاختلاف البيِّن الواسع والتخبُّط الظاهر الشاسع بين المتقدمينَ والمتأخرينَ في كل فرقة من الفرق الضالة، وتسمع كثيراً قول القائل: متأخِّرو القدرية، ومتقدِّمو الأشاعرة... إلخ؛ وما ذلك إلا مصداق لقوله تعالى:
{أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا} [النساء: ٨٢]. ومِثل هذا لا تراه -بفضل الله- عند أهل السنة والجماعة.
وكم من إمام من الأئمة الكبار في تلك الفرَق رأيناه يُظهر الندامة على عُمره الذي أضاعه في القِيلِ والقالِ والطريق السقيم الضالّ؛ لِيُعلنَ العودة إلى سواء السبيل وشِفاء العَليل، إلى آثار النبوة والتنزيل
#الأربعون 6
172 viewsزهرة الصبار , 11:45