2022-05-04 22:30:39
البت في جواز تقديم الست
الحمد لله الذي وسَّع على عباده الشرائع ، رحمةً بهم وإحساناً ، وصلى الله وسلم على نبيه محمد الذي ما خُيِّر بين أمرين إلا اختار أيسرهما مالم يكن إثماً ، وعلى آله وصحبه وبعد :
فإنَّ من المسائل التي تباينت فيها وجهات النظر عند أهل العلم " مسألة تقديم صيام الست من شوال على القضاء " ، والخلاف مبني على النظر والاجتهاد ؛ إذ لا نصَّ صريحٌ يُقطَع به .
ومدار الخلاف على فهم النص الوارد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :
" من صام رمضان ثمَّ أتبعه ستاً من شوال فكأنما صام الدهر كله " رواه مسلم من حديث أبي أيوب- رضي الله عنه.
وسيكون الكلام منصباً على فقه هذا النص دون التطرق إلى ذكر الخلاف والقائلين بالقولين إلا بما يخدم النص من أوجه الدلالة المعتبرة ، فأقول وبالله التوفيق :
1- قوله صلى الله عليه وسلم : " من صام رمضان …" هل يصدق على من أفطر أياماً من رمضان لعذر أنه صام رمضان ؟
الجواب : نعم يصدق عليه حكماً أنه صام رمضان ، ولهذا نظائر في الشريعة لمن تأمل ، ثمَّ إنَّ من قدَّم القضاء ثمَّ صام الست لم يصدق عليه صوم رمضان حقيقةً ؛ إذ القضاء وقع في شوال ، والحديث خرج مخرج الغالب .
وقد ورد في عدد من روايات حديث أبي أيوب وثوبان: «وستا من شوال»، «ستة أيام بعد الفطر»، وألفاظ روايات هذه الأحاديث مختلفة؛ مما يقطع به أن أكثرها مروية بالمعنى، وليس لأحد أن يأخذ لفظا منها ويحتج به على غيره من الألفاظ، بل الواجب حينها أن ينظر في قرائن الحديث الأخرى..
وليس للقول بأنها لا تصح الفضيلة حتى يقضي رمضان معنى معقول تبطل به دلالة هذه النصوص المحكمة، وإنما هو تمسك بظاهر رواية واحدة فقط محتملة لهذا المعنى ولغيره .
قال في "الفروع"، (5/ 86): "يتوجه تحصيل فضيلتها لمن صامها، وقضى رمضان، وقد أفطره لعذر، ولعلَّه مرادُ الأصحاب، وما ظاهره خلافه خرج على الغالب المعتاد، والله أعلم"، وقوله: (يتوجه) ترجيح منه لهذا القول، كما هو معلوم من طريقته.
2- القضاء واجب موسع ، قد وسَّع الشارع الحكيم فيه على المكلف الراغب في تحصيل الأجر ، ومن قال بتقديم القضاء فقد ضيَّق على المكلفين ما وسَّعَ الله عليهم بدلالة ظنية غير قطعية ، والله يقول : (فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ} [البقرة: 185] ، ومن اليسر التيسير على العباد في تقديم الست على القضاء تحصيلاً للثواب والفضيلة .
قال ابن رجب في القواعد ( 1 / 66 :
القاعدة الحادية عشرة)
من عليه فرض؛ هل له أن يتنفل قبل أدائه بجنسه أم لا؟
هذا نوعان:
(أحدهما): العبادات المحضة؛ فإن كانت موسعة؛ جاز التنفل قبل أدائها؛ كالصلاة بالاتفاق، وقبل قضائها أيضًا؛ كقضاء رمضان على الأصح، وإن كانت مضيقة؛ لم تصح على الصحيح " .
3- فضيلة صيام الست من شوال تفوت بقوات الشهر ؛ إذ قوله : " ستاً من شوال " دالٌ على اعتبار شهر شوال .
4- في هذا القول مراعاة لأهل الأعذار الراغبين في تحصيل أجر صيام الست من شوال ؛ إذ يقع بعضهم في مشقة بالغة رغبةً منه في القضاء وصيام الست خصوصاً من النساء ، وقد قالت أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها: " كان يكون الصوم من رمضان فلا أستطيع أقضيه إلا في شعبان لمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم مني " أخرجاه في الصحيحين ، ويبعد أن تدع رضي الله عنها صيام الست وغيرها من النوافل .
ولعلَّ فيما ذكرتُ مَقنَعٌ لمن أمعن النظر ، ويسرٌ على الراغبين في تحصيل الثواب والأجر .
والله ولي التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .
كتبه / د . حمد بن محمد الوهيبي
في الثالث من شهر شوال عام 1443 بمزرعة الوالد - رحمه الله - بربوع ثادق الخير والعطاء
https://t.me/hamaad_alwhibi/1241
107 viewsedited 19:30