2022-07-31 14:49:25
( أول سورة وأول حديث بعد الهجرة )
أول آية : أخرج ابن ماجه في سننه والنسائي في الكبرى عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال :
( لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة كانوا من أخبث الناس كيلاً ، فأنزل الله سبحانه : { وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3) أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (6)} المطففين ]
فأحسَنوا الكيلَ بعد ذلك ".
وأول حديث : أخرج الترمذي عن عبد الله بن سلام رضي الله عنه قال :
« أول ما قدم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم المدينةَ انْجَفَل الناس إليه ، فكنتُ فيمن جاءه ، فلما تأمَّلْتُ وجهه واسْتَثْبَتُّه ، عرفتُ أنَّ وجهه ليس بوجهِ كَذَّاب ، قال : فكان أولَ ما سمعتُ من كلامِهِ أن قال :
« يا أيُّها الناس ، أفْشُوا السلام ، وأطعموا الطعام ، وصَلُّوا بالليل والناس نيام ، تدخلوا الجنةَ بسلام ».
نقرأ في هذين النصين الكريمين الفوائد الآتية :
أولاً : النصان الكريمان يؤسسان للمدينة الفاضلة وللمجتمع السليم :
يؤسسان لمدينةٍ لا غش فيها ولا اعتداء على أموال الناس ، لا تطفيف فيها ولا كيل بمكيالين ، لا محاباة فيها لقوي على حساب ضعيف ولا لثري على حساب فقير { وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1)} المطففين ، يؤسسان لمجتمع ينتشر فيه السلم الأهلي والسلم الاقتصادي والسلم الاجتماعي والسلم الأخلاقي : « أفشوا السلام »،
يطعم فيه الواجدُ الفاقدَ ، ويعلم فيه العالمُ الجاهلَ ، ويعين فيه القادرُ العاجز
« وأطعموا الطعام »، لمدينة تُعرفُ بالليل بأصوات التالين للقرآن ، ومجتمع يرقى بالمستغفرين بالأسحار : « وصلّوا بالليل والناس نيام ».
ثانياً : النصان الكريمان يؤكدان أنّ الإسلام عمل دؤوب وجهد مثمر :
فإذا كانت أول آية في مكة (اقرأ) تدل على أنّ الإسلام دين العلم ، فإنّ أول آية في المدينة وأول حديث يدلان على أن الإسلام دين العمل ، ولكنه العمل الصالح الذي لا غش فيه ولا اعتداء على أموال الناس ، إنّه العمل النافع الذي يقوم المسلم فيه بإطعام الطعام وإفشاء السلام والصلاة بالليل والناس نيام .
ولذلك كنت ترى سيدنا أبا بكر الصديق وسيدنا عثمان رضي الله عنهما وغيرهما يعملان في التجارة ويعملان في مصالح المسلمين ،
وكنت ترى علي وسلمان الفارسي رضي الله عنهما يعملان بالأجرة ويعملان في تعليم المسلمين ،
وكان الزبير بن العوام رضي الله عنه جزاراً ، وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه بارياً للنبل ، وعثمان بن طلحة رضي الله عنه خياطاً ، وأبو سفيان رضي الله عنه تاجراً في الزيت والجلود .
وقد أضافوا لعمارة الدنيا عمارة الآخرة ،
كان سيدنا ابن مسعود رضي الله عنه يقول : إني لأكره الرجلَ فارغاً ، لا هو في عمل الدنيا ، ولا هو في عمل الآخرة .
ثالثاً : النصان الكريمان يدلان على أنّ الإسلام جاء بترك المحرمات المضرات وفعل الصالحات النافعات :
فالتطفيف محرّم والمسلم مدعو لتركه مع سائر ما حرمه الله عليه، وإطعام الطعام وإفشاء السلام والصلاة بالليل والناس نيام عمل صالح والمسلم مدعو للقيام بها وبسائر ما أمره الله به .
أخرج الإمام أحمد في المسند عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :
« الْهِجْرَةُ أَنْ تَهْجُرَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ، وَتُقِيمَ الصَّلاة ، وَتُؤْتِيَ الزَّكاة ، ثمَّ أَنْتَ مُهَاجِرٌ، وَإِنْ مُتَّ بِالْحَضَرِ ».
والحمد لله رب العالمين
15 viewsedited 11:49
غ
