Get Mystery Box with random crypto!

' لستُ أدري كيفَ هيَّأ اللّٰهُ الأرضَ قبلَ مماتِ محمَّدٍ ﷺ لاس | جَ نَّ ةْ || Janna

" لستُ أدري كيفَ هيَّأ اللّٰهُ الأرضَ قبلَ مماتِ محمَّدٍ ﷺ لاستيعابِ هذهِ الجنازةِ المُستمرَّة ليومِ الدِّين، أو كيفَ هيَّأ السَّبعَ الشِّداد لاستقبالِ خاتمِ المُرسلين، ابن عبدِاللّٰه، فدَته نفسي ..
ما برحتُ كُلَّما رجعتُ بالأحداثِ نحو لآلئ السِّيرةِ العطِرةِ أستشعرُ انقباضًا في قلبي، وغصصًا مريرةً في روحي، عند بلوغِ عُنوان [موتُ رسولِ اللّٰه ﷺ]، فكيفَ سخَّرَ اللّٰه الصَّبرَ والجلدَ في نفسِ أُمِّ المُؤمنينَ عائشةَ رضيَ اللّٰهُ عنها لفراقِ صاحبِها وخليلِها ومن كانت تغارُ عليهِ من حيٍّ وميت! وكيفَ أسدلَ علىٰ رُوحها جلابيبَ القوَّةَ والثَّباتَ كيما تتمكَّن من رفعِ السِّتارة؟ لتُعلنَ بذلكَ الرَّفع أبأسَ خبرٍ في الدُّنيا: فراقَ رسولِ اللّٰه ﷺ .. بلغَ حنينُ بلالَ مداه، ولا زالت الأقلامُ تسردُ بكُلِّ طلاقةٍ وتسبكُ الأحرفَ بكُلِّ أريحيَّةٍ إلىٰ أن تتلعثمَ أسًى وبُؤسًا لحالِ صحبِ رسولِ اللّٰهِ ﷺ بعد فقده! كيفَ نظروا لمواضعِ جُلوسِه بعدَ أن فرُغت منه؟ وبمَ شعروا عندما حالَ البَينُ بين خطواتِه والمنبر؟ كيفَ ناموا اللَّيلةَ الأولىٰ؟ وكيفَ استطاعوا -كما تساءلت ابنتُه ﷺ- أن يحثوا التُّرابَ علىٰ وجهه؟ لا بُدَّ من تهيئةٍ ربَّانيَّة، تُحضِّر الكواهلَ لخَطبٍ غيرِ جلل، وتصقلُ النُّفوسَ لبلاءٍ وتمحيص، ينقلبُ بعدها من نبتَ فما ثبت، ويثبتُ فيها من قالَ يا ربِّي رضيت.

نحنُ المُسلمونَ سائرونَ في جنازةٍ دائمة، من حينِ وفاةِ رسولِ اللّٰه ﷺ، سيِّدي أبا القاسم، أظلمتِ الدُّنيا من بعدك، وانقطعَ الوحيُ الرَّبانيّ، ونسيرُ علىٰ هديِكَ بقدرِ ما نستطيع، دونَ أن نبلغَ مقامك، أو نتشرَّفَ بتطبيقِ سُنَّتكَ بحذافيرِها، لكنَّنا نودِّع كُلَّ يوم، صحبًا ورفاقًا وأهلًا وأحبَّة، ونحاولُ قبضَ ستارَ قلُوبِنا كي نرفعَ هذهِ الغُمَّة، ونُؤتىٰ صبرًا بمدادٍ ربَّانيّ، غيرَ أنَّ الحزنَ حزن، والجنازةُ مُستمرَّة، ويتبدَّل التَّابوت،
دفنتُ الكثير، حتَّى صارَ قلبي مقبَرة، وعليهِ غُرابٌ ينعقُ صُبحًا وعتمة، كأنَّهُ يُسمعُ الأحياءَ نشيدًا ما، إيقاعهُ أشبهَ بنشيدِ الوداع، الوداعُ الَّذي يُتلىٰ بالعينِ والقلبِ دونَ اللَّفظ، إذ أنَّني لحظتها ﴿يَضيقُ صَدري وَلا يَنطَلِقُ لِساني﴾. "

- لصاحبه ..