2022-07-30 12:49:58
أبو ياسر القادري:
(ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله وكان الله غفورا رحيما)النساء:100
الآية تبين أن الهجرة هي التي تكون { في سبيل الله } وهذه هي الهجرة المعتبرة في الإسلام . فليست هجرة للثراء ، أو هجرة للنجاة من المتاعب ، أو هجرة للذائذ والشهوات ، أو للتجارة.
وكم هو الفارق ما بين هجرتين، هجرة من أجل الدنيا وملذاتها،، والهجرة لحفظ الدين وتمكينه في الأرض والدعوة إليه..
ومن يهاجر - في سبيل الله - يجد أرض الله واسعة ومنطلقا فلا تضيق به الأرض ، ولا يعدم الحيلة والوسيلة لكسب رزقه وأمنه وسبيلا لنشر عقيدة التوحيد بين الناس.
ومن يهاجر ويترك دار إقامته في سبيل الله تعالى طالبا ما عنده يجد طرائق كثيرة في الحياة، فلا يضيَّق عليه في دينه، ولا يعيش في ذلة وهوان، أو مقترا عليه في الرزق.
وتكون الهجرة في سبيل الله تعالى: إذا كانت للفرار من الفتنة في الدين، أو لرفض الذل وطلب العزة، أو للخروج من بلد ليس للشريعة سلطان فيها ولا يسمح بإقامة شعائر الدين ونشر قيمه، أو فيها ظلم سائد واقع على الدعاة والملتزمين.
يقول الإمام مالك: ليس لأحد المقام بأرض يسب فيها السلف ويعمل فيها بغير الحق.
هناك من يعتقد أن الرزق وسبل الحياة مرهونة بأرض إقامته ولا سبيل لها إلا فيها، هذا التصور الكاذب لحقيقة أسباب الرزق وأسباب الحياة والنجاة؛ هو الذي يجعل النفوس تقبل الذل والضيم، وتسكت عن الفتنة في الدين؛ ثم تتعرض لذلك المصير البائس، من اعتقال وتعذيب بأيدي الظالمين ، وربما يعاد لأهله جثة هامدة.
لا يخفى مافي الهجرة من مشقة وعناء وآلام ومخاطر، لكن الله تعالى وعد المهاجر في سبيله بثواب وأجر كبير، قال تعالى: (والذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا ليرزقنهم الله رزقا حسنا وإن الله لهو خير الرازقين).
إنها تجارة رابحة مع الله . ينال فيها المهاجر الأجر والمغفرة ورضى الله.
لما أمر الله تعالى المؤمنين بالهجرة وهموا بها، فمنهم من تعلقت به زوجته، ومنهم من تعلق به أَبواه وأولاده، فكانوا يمنعونهم من الهجرة، فيتركون الهجرة لأجلهم.
إن الموقف الإيماني يرفض كل عاطفة حميمة في روابط القرابة والصداقة وحب المال والأرض إن كانت تحول بين المسلم والتزامه بدينه، وخاصة إذ كان لتلك العلاقات موقف يشاقق الله ورسوله، والعداء للمؤمنين، فلا بد للإيمان الذي ركن في قلوب المؤمنين من أن يواجه كل المشاعر التي تخالف الولاء لله ولرسوله وللمؤمنين وتمنعه من الهجرة.
إذا كانت مكة هي أشرف بقاع الأرض، وقد أوجب الله الهجرة منها ولم يجعل محبتها عذرا، فكيف بغيرها من البلدان ؟
وقد ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "والذي نفسي بيده، لا يؤمن أحدكم حتى أكونَ أحبَّ إليه من والده وولده والناس أجمعين".
هذه المعاني والقيم غابت عن شريحة واسعة من المسلمين، فكان الخوف على أموالهم ومصالحهم التجارية ومفارقة الأقارب والأصحاب، مدعاة لأن يستكينوا لواقع تنتهك فيه قيم الدين ويشاق الله ورسوله جهارا نهارا .
لا بد للمؤمن من أن يبعد فكره وعواطفه ومشاعره التي تمنعه من السير في الاتجاه السليم الذي تمليه عليه عقيدته التي هي أغلى من قيمة أي شيء آخر، مهما كان غاليا ومهما كان عظيما في تأثيره وحبه.
فالذين أُخرجوا من ديارهم - الصحابة ورسول الله - وألجأهم الكفار والظالمون للخروج والهجرة، بعد جهاد وصبر، وتحملوا الإيذاء وأصاب بعضهم القتل، آثروا ترك الأوطان والأموال، طلبا لمرضاة ربهم، وطمعا بأجر عظيم عند الله، ومغفرة ورزق كريم.
إن هذا الدين، لا يتحقق في واقع الناس إلا بجهد مؤمنين يدعون له ويضحون ويهاجرون من أجله ويجاهدون لنشره..
واليوم نرى كثيرا ممن تركوا ديارهم، وهاجروا بعد أن جاهدوا لسنوات وصبروا وصابروا.. تركوا ديارهم وقد شاع فيها الفساد والمنكر والظلم، ووجد الباطل أنصارا له من كل حدب وصوب من دول العالم، وحكومات عميلة، وأضحى أهل الحق دون معين، ودون من ينهى عن الظلم، واستعلى في أرضهم أهل الكفر وانتفش باطلهم، فآثر المؤمنون أصحاب العقيدة التضحية بالأوطان مقابل الحفاظ على دينهم وحرية أداء شعائرهم.
إن الذين تحملوا مرارة التهجير وفراق الأهل والجيران والأصحاب في سبيل الله، أتظنون أنهم يستوون عند الله مع الذين لم يهاجروا، أو بقوا في أرض يحارب فيها دين الله؟؟
لا وألف لا.. لا يستوون عند الله تعالى.
وكأنه لا بد من مرور كل مؤمن من مدرسة الشدائد، يتربى فيها تربية تمكنه من الانقطاع عن كل ما يشده إلى الأرض وشهواتها، ليرتبطَ بموعود الله، ولتملأَ جوانحه محبة الله، والشوق إلى لقائه. فيهون عليه الموت والهجرة في سبيل الله، ويهون عليه بذل المال والجهد والجهاد.
يتبع
101 viewsedited 09:49