2021-08-14 00:52:44
بين معاوية ومعاذ بن جبل
كنت أنا ومعاوية بن أبي سفيان بالشام فبينما نحن ذات يوم إذ نظرنا إلىٰ شيخ وهو مقبل من صدر البرية من ناحية العراق. قال معاوية: عرّجوا بنا إلىٰ هذا الشيخ لنسأله من أين أقبل وإلىٰ أين يريد، وكان عند معاوية أبو الأعور السلمي وولدا معاوية: خالد ويزيد، وعمرو بن العاص.
قال: فعرجنا إليه، فقال له معاوية: من أين أقبلت يا شيخ و[إلىٰ] أين تريد؟ فلم يجبه الشيخ.
فقال [له] عمرو بن العاص: لم لا تجيب أمير المؤمنين؟
فقال الشيخ: إنَّ الله جعل التحية غير هذه.
فقال معاوية: صدقت يا شيخ وأخطأنا وأحسنت وأسأنا، السلام عليك [يا شيخ].
قال: وعليك السلام.
فقال معاوية: ما اسمك يا شيخ؟
فقال: اسمي معاذ بن جبل. وكان ذلك الشيخ طاعناً في السن بيده شيء من الحديد ووسطه مشدود بشريط من ليف المقل، وعليه كساء قد سقطت لحمته وبقي سداته، وقد بانت شراسيف خدَّيه، وقد غطت حواجبه عينيه.
فقال معاوية: يا شيخ من أين أقبلت وإلىٰ أين تريد؟
قال الشيخ: أتيت من العراق، أريد بيت المقدس.
قال معاوية: كيف تركت العراق؟
قال: علىٰ الخير والبركة والاتفاق.
[قال]: لعلك أتيت من الكوفة من الغريّ؟
قال الشيخ: وما الغري؟
قال معاوية: الذي فيه أبو تراب.
قال الشيخ: من تعني بذلك ومن هو أبو تراب؟
قال: علي بن أبي طالب.
قال له الشيخ: أرغم الله أنفك ورضَّ الله فاك ولعن الله أمك وأباك ولم لا تقول: الإمام العادل والغيث الهاطل، يعسوب الدين، وقاتل المشركين والناكثين والقاسطين والمارقين، سيف الله المسلول، وابن عم الرسول، وزوج البتول، تاج الفقهاء، وكنز الفقراء، وخامس أهل العباء، والليث الغالب، أبو الحسنين علي ابن أبي طالب، عليه الصلاة والسلام.
فعندها قال معاوية: يا شيخ إني أرى لحمك ودمك قد خالط لحم علي بن أبي طالب ودمه، فلو مات عليٌّ ما أنت فاعل؟
قال: لا أتهم في فقده ربي، وأجلل في بعده حزني، وأعلم أنَّ الله لا يميت سيدي وإمامي حتَّى يجعل من ولده حجة قائمة إلىٰ يوم القيامة.
فقال: يا شيخ هل تركت من بعدك أمراً تفتخر به؟
قال: وكيف لا، وقد تركتُ الفرس الأشقر والحجر المدور والمنهاج لمن أراد المعراج.
قال عمرو بن العاص: لعلَّه لا يعرفك يا أمير المؤمنين.
فسأله معاوية فقال له: يا شيخ هل تعرفني؟
قال [الشيخ]: من أنت؟
قال: أنا معاوية، أنا الشجرة الزكية والفروع العلية، أنا سيد بني أمية.
فقال له الشيخ: بل أنت اللعين ابن اللعين علىٰ لسان نبيه [و] في كتابه المبين، إنَّ الله قال: ﴿وَٱلشَّجَرَةَ ٱلملْعُونَةَ فِي ٱلْقُرْءَانِ﴾ (57) والشجرة الخبيثة والعروق المخبثة الخسيسة، الذي ظلم نفسه وربه، وقال فيه نبيه: الخلافة محرمة علىٰ آل أبي سفيان الزنيم ابن آكلة الأكباد، الفاشي ظلمه في العباد.
فعندها اغتاظ معاوية وحنق عليه فردَّ يده إلىٰ قائم سيفه وهمَّ بقتل الشيخ ثُمَّ قال: لولا أنَّ العفو حسن لأخذت رأسك، ثُمَّ قال له: أرأيت لو كنتُ فاعلاً ذلك؟
قال الشيخ: إذن والله أفوز بالسعادة وتفوز أنت بالشقاوة، وقد قتل من هو شر منك من هو خير مني.
فقال معاوية: وما ذلك؟
قال الشيخ: عثمان، نفى أبا ذر وضربه حتَّى مات وهو خير مني وعثمان شر منك.
قال معاوية: يا شيخ هل كنت حاضراً يوم الدار؟
قال: وما يوم الدار؟
قال معاوية: يوم قتل عليٌّ عثمان.
فقال الشيخ: بالله ما قتله ولو فعل ذلك لاعتلاه بأسياف حداد وسواعد شداد، وكان يكون في ذلك مطيعاً لله ولرسوله.
قال معاوية: يا شيخ هل حضرت يوم صفين؟
قال: وما غبتُ عنها.
قال: وكيف كنت فيها؟
قال الشيخ: أيتمت منك أطفالاً وأرملت منك نسواناً، كنت كالليث أضرب بالسيف تارة وبالرمح أخرى.
قال معاوية: هل ضربتني بشيء قط؟
قال الشيخ: ضربتك بثلاثة وسبعين سهماً، فأنا صاحب السهمين اللذين وقعا في بردتك، وصاحب السهمين اللذين وقعا في مسجدك، وصاحب السهمين اللذين وقعا في عضديك، ولو كشفت الآن لأريتك مكانهما.
فقال معاوية: يا شيخ هل حضرت يوم الجمل؟
قال: وما يوم الجمل؟
قال معاوية: يوم قاتلت عائشة علياً.
قال: وما غبتُ عنه.
قال معاوية: يا شيخ، الحق [كان] مع علي أم مع عائشة؟
قال الشيخ: بل مع عليّ.
قال معاوية: يا شيخ ألم يقل الله: ﴿وَأَزْوَٰجُهُٓ أُمَّهَٰتُهُمْ﴾ (58) وقال النبيّ صلّى الله عليه وآله: (هي أم المؤمنين)؟
قال الشيخ: ألم يقل الله تعالىٰ: يا نساء النبيّ: ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ ٱلْجَٰهِلِيَّةِ ٱلْأُولَىٰ﴾ (59)، وقال النبيّ صلّى الله عليه وآله: أنت يا علي خليفتي علىٰ نسائي وأهلي، وطلاقهنَّ بيدك. أفتراها خالفت الله تعالىٰ في ذلك، عاصية الله ورسوله، خارجة من بيتها، وهي في ذلك سفكت دماء المسلمين، وأذهبت أموالهم، فلعنة الله علىٰ القوم الظالمين، وهي كامرأة نوح في النار ولبئس مثوى الكافرين.
80 viewsبّـنين سﻟ̣̣مٱن.𖣐, 21:52