لم يكن الأمر عادياً كما تظن، إنه أصبح عادياً بعد ألف معركة في العقل، وألف كسر بالقلب، وألف دمعة من العين، هكذا تستنزف جميع المشاعر دفعة واحدة حتى أبدو لك بهذه الصورة التي تطلق عليها بأنها عادية.
لم نحصل على شيء من يد بشري إلا ودفعنا ثمنه من القلب، والخيبة التي نظن أننا نسيناها تعود بعد زمن على هيئة بكاء بلا سبب، أو ضيق، أو حزن، أو وحشة بلا توقيت، فلا ذاك يفنى في هذا، ولا هذا يتلاشئ في ذاك، النسيان لا يأتي كاملاً أبداً.
يصعب على المرء أن يتجاوز شيئاً تسبب في خدش روحه، ويصاب بالإكتئاب، فيشعر بتفاهة الأحداث حوله، ويفقد الأشياء قيمتها وأهميتها لديه، ويخيل إليه أن الحياة توقفت عن النبض، وتتساوى لديه الأمكنة والأوقات، ويبقى وحيداً وتفشل جميع محاولات انتزاعه من وحدته، فقد تشرق شمس الأمل فجأة، وتشرق معها قابلية الحياة.
يلفت إنتباهي صاحب التفاصيل الصغيرة، من يعتذر لتأخره بالرد رغم إنعدام الحاجة لذلك، من يستلطفك بأحاديثه التي تلتمس منها براءة الروح وطفولة الوجدان، نقي لم تُدنس روحه خيبات الأيام وصفعات الأقدار وقسوة المسافات.