Get Mystery Box with random crypto!

السيرة النبوية 163 غزوة بني المصطلق (المريسيع) الشيخ صالح الخل | رَحُـםٌـة للـ؏ـالـםـين

السيرة النبوية 163
غزوة بني المصطلق (المريسيع)
الشيخ صالح الخليفة

... تابع

هذه المصالح التي يراها الفقيه ويراها العالم ويراها الذي يسند إليه شيءٌ من أمر الأمة: أن ينظر إلى المصالح.. لو أنه قتله لثار أناس، وغيروا وحرفوا الحقائق؛ وقالوا: هذا محمد يقتل أصحابه..

فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يشغلهم عما هم فيه من الجاهلية، فأمر بالرحيل. وانطلق الجيش..

مشوا في ذلك اليوم في تلك الليلة من غدٍ من النهار، ثم في ليلة الغد حتى ضحى اليوم الثاني. فما هو إلا أن أوقفهم النبي صلى الله عليه وسلم حتى سقط كل واحدٍ منهم نائما ليرتاح.. انشغلوا بهذا عن ذاك.

لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالرحيل، جاءه أسيد بن حضير الأوسي الأنصاري -سيدٌ من سادات الصحابة-. فقال: يا رسول الله، إن هذه ساعةٌ منكرة، وليست لك بعادة. -منكرة يعني غريبة-، أنت في العادة لا تأمر بالرحيل في مثل هذا الوقت. فقال له صلى الله عليه وسلم: أما سمعت ما قال صاحبك؟ قال: ومن صاحبي؟ قال: ابن أبي ابن سلول إنه قد قال كذا وكذا.

طبعاً، هذا أنصاري منهم.. وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم.. لكن انظروا إلى الإيمان.. قال رضي الله عنه وأرضاه: يا رسول الله، أنت الأعز وهو الأذل. وإن شئت لا يدخلها أبداً. -رضي الله عنه وأرضاه. ثم قال: هو والله الذليل وأنت العزيز يا رسول الله. ثم قال: ارفق به؛ فإنه قد جاءنا الله بك وإن قومه لينظمون له الخرز ليتوجوه، فيرى أنك أخذت منه ملكه.(1)

ثم مضى النبي صلى الله عليه وسلم. فلما نام الناس، ثم قاموا.. جاء عبد الله بن عبد الله ابن أبي بن سلول -ابنه، سبحان الله، أبوه رأس النفاق، وهذا غايةٌ في الإيمان-..

وهذا الإيمان، أيها الإخوة، رزق يرزق الله به من يشاء. وهذا فضل الله عز وجل.. حينما يتأمل الإنسان فضل الله عليه في مثل هذا.. فيسلم الابن ويكفر الأب، أو يكون الأب مؤمنا والابن كافرا.. وقصة آزر والد إبراهيم عليه الصلاة والسلام.. أبى أن يسلم، وكفر برب إبراهيم.. وإبراهيم خليل الله ما ترك طريقة إلا سلكها ليؤمن. وكذلك ابن نوح {قال سآوي إلى جبلٍ يعصمني من الماء}.(2)

ثم قال له عبد الله بن عبد الله بن أبي بن سلول -قال للنبي صلى الله عليه وسلم-: إنه قد بلغني أنك تريد قتل والدي. وإن الأنصار لتعلم أني أبر الناس بأبي. فإن كنت آمراً، فمرني أنا أقتله، وآتي به إليك.. ولا تأمر غيري يا رسول الله؛ فإني أخشى أن تغلبني نفسي فأقتل من قتل أبي فأدخل النار، والعياذ بالله. فقال صلى الله عليه وسلم: بل نصبر على أبيك.(3)

وهذا والله هو الحلم وهذه الحكمة والنظر في مآلات الأمور.

رضي الله عن عبد الله، وصلى الله وسلم على نبينا الذي كان يرى المصلحة فيحسن إلى المسلمين وينظر إلى مآلات الأمور فيختار ما فيه خير لهذه الأمة..

نزلت سورة المنافقون، وأمسك النبي صلى الله عليه وسلم بأذن زيد وقال: قد صدقك الله. أو صدق الله قولك.(4)

ثم إن عبد الله هذا وقف عند مضيق جبل للداخل إلى المدينة. فلما مر أبوه منعه. فقال: والله لا تدخلها حتى يأذن لك رسول الله صلى الله عليه وسلم. فغضب هذا المنافق على ولده وقال: أتفعل هذا بي؟ قال: نعم.. ولا تدخلها حتى يأذن لك النبي صلى الله عليه وسلم.

لا إله إلا الله. هذا والله الإيمان. وهذا والله هو الحق الذي دخل وملأ قلب هذا الصحابي رضي الله عنه وأرضاه. فأذن النبي صلى الله عليه وسلم لهذا المنافق فدخل..

ثم كان بعد ذلك إذا أحدث حدثاً أو افترى وبخه قومه وأسكتوه.. فلم يكن له رأيٌ بعد ذلك حتى مات. فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر: يا عمر أرأيت ما فعلناه؟ أكان خيراً أم أننا قتلناه؟ قال عمر: فقلت بل الخير، ولا زلت أعلم أنه فيما تراه يا رسول الله.(5)

نقف على هذا. ونكمل إن شاء الله في الدرس القادم بإذن الله. وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

---------
(1) السيرة النبوية، ابن هشام، 2/292.
(2) سورة هود، الآية 43.
(3) السلسلة الصحيحة، 6/677.
(4) صحيح الترمذي، 3313.
(5) السيرة النبوية، ابن هشام، 2/293.

قنــاة.رحــمــة.للــعـالمـيـن.tt
سلسلة.دروس.السيرة.النبوية.tt
انتقاء.الإســلام.ديـنـي.tt
تفريغ.الأستاذ.محمد.الروحي.tt
ـــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــ