ــــــــــــــ❁﷽❁ـــــــــــــــ الحلقة.169.tt ترجمة.جويرية.بنت.الحارث.2.tt الشيخ.صالح.الخليفة.tt هذا الدرس التاسع والستون بعد المئة الأولى في سيرته صلى الله عليه وسلم.
إذن، انتصر نبينا صلى الله عليه وسلم ومعه أصحابه الكرام في غزوة بني المصطلق، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أسر منهم مئات؛ رجالا ونساء، ووزعوا بين الصحابة. فلما سمعوا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد تزوج بهذه المرأة -وكان اسمها برة، فغير اسمها إلى جويرية- وأصبحت جويرية بنت الحارث أم المؤمنين، فقال الصحابة: كيف يكون أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم عندنا عبيدا وإماء!؟
انظروا إلى حب الصحابة لنبي الله صلى الله عليه وسلم، وهو من حقهم، ولكن حبهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وتعظيمهم له، وحياؤهم منهم، جعلهم يعتقون كل من كان في أيديهم.
تقول عائشة رضي الله عنها: لم أر امرأة أعظم بركة من جويرية على قومها.. لما تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم أعتق المهاجرون والأنصار من كان معهم من بني المصطلق، فأعتق أهل مائة بيت..(1)
بدأت رحمات الله تتوالى وتأتي وتتنزل.. أصيب المرء بالبلاء، فكتب الله أجره، ثم جاءت العافية، أما الكافر الفاجر المتسخط على قدر الله عز وجل، فلن يرد تسخطه قدر الله عز وجل، ولن ينفعه، بل سيزيد حسرته واعتراضه. ولذا فما أوتي العبد رضاء مثل الرضا بالله عز وجل، الرضا بقضائه وقدره، النظر إلى حكمة الله عز وجل ولو لم تستوعبها عقولنا أبها الإخوة.
أسلمت رضي الله عنها، فكانت من أعبد الصحابيات وأمهات المؤمنين؛ كيف لا، وهي ترى محمدا صلى الله عليه وسلم أمامها ساجدا راكعا ذاكرا داعيا، بأخلاقه، بكماله، بأبي هو وأمي صلوات الله وسلامه عليه.
روت سبعة أحاديث، منها حديث في البخاري وحديثان في مسلم..
من الأحاديث العظيمة التي روتها أنها قالت: دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم وخرج من عندي غدوة -أي في أول النهار-.. -"لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها"(2)-.. -الغدوة: هي الذهاب في أول النهار-..
قالت: خرج من عندي غدوة، ثم جاءني بعد مدة وأنا في مجلسي -ما قامت-، أذكر الله جل وعلا، قال: "أولا زلت في مكانك منذ تركتك!؟" قالت: نعم. قال: أما لو قلت أربع كلمات ثلاث مرات، لوزنت ما قلت جميعا.."
فاحفظ هذا الكلام أيها الأخ المسلم، فإنه من خير الأذكار.. هذه الساعات التي جلست فيها أم المؤمنين تتلو هذه الأذكار وتقرؤها، أربع كلمات تقولها ثلاث مرات تعدل ذلك كله، والحديث في صحيح مسلم:
قال: "أما لو قلت: سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضاء نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته، ثلاث مرات، لعدلت ما قلته كله".(3)
وعاشت رضي الله عنها وأرضاها كريمة عابدة صالحة وفية لرسول الله صلى الله عليه وسلم مع أمهات المؤمنين، حتى أنزل الله عز وجل عليها قدره، وفارقت هذه الحياة الدنيا، في خلافة معاوية رضي الله عنه، في عام 50 وقيل في عام 56.
وصلي عليها في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودفنت في البقيع، بجوار مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فيا من قدر الله له زيارة طيبة الطيبة، ورأى البقيع أو زاره، فليتذكر أنها هنا، أم المؤمنين جويرية، التي كانت ابنة سيد قومه، فابتلاها الله عز وجل ببلاءات عظيمة اجتمعت عليها، ثم جاءتها رحمة الله عز وجل لتكون أما للمؤمنين، وزوجة لرسول رب العالمين صلى الله عليه وسلم.
اللهم قدر لنا من الأقدار ما يوصلنا إلى رحمتك، وثبتنا على دينك، واجعل آخر كلامنا من الدنيا شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله. اللهم ارزقنا حبك وحب من يحبك، وحب العمل الذي يقربنا إلى حبك.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
--------- (1) صحيح أبي داود، الحديث 3931. (2) صحيح ابن ماجه، الحديث 2245. (3) صحيح مسلم، الحديث 2726.
