2022-06-19 21:38:47
الجمعُ بين مناهج مقاصد القرآن
لقد ذكرتُ أشْهَرَ المناهج التي تحدّثت عن المقاصد والمعارف الكليّة للقرآن الكريم، وهو بحثٌ مرتبطٌ ارتباطاً وثيقاً بعمليّة "التدبّر في القرآن الكريم" كما لا يخفى، وسأوضح هذا الارتباط فيما بعد ان شاء الله تعالى.
وقلتُ أنّه برأيي المتواضع يُمكن الجمع بين تلك المناهج، بطريقةٍ موضّحةٍ في الصورة المرفقة مفادها:
أنّ "الإنسان" يُمكن أن يكون هو المحور في القرآن الكريم، ولكن ليس من جهة كونه مُستقلّاً عن الله تعالى، بل لكونه خليفة الأسماء الإلهيّة كلّها، والنسخة الجامعة لكلّ عوالم الوجود كما هو مُثبت في محلّه، فهو كتابُ الله تعالى وكلمته العُليا المُطابق للكتاب "التكويني" من جهة وهو "الكون الخارجي"، وللكتاب "التدويني" من جهة أخرى وهو "القرآن الكريم".
وباقي المخلوقات هي من شؤون "الانسان الكامل" كما هو مثبتٌ في العرفان، أو على الأقل هي مخلوقة لأجله "عَبْدِي خَلَقْتُ اَلْأَشْيَاءَ لِأَجْلِكَ وَخَلَقْتُكَ لِأَجْلِي"، أو هي مسخّرة لأجله كما يُعبّر القرآن الكريم {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (13)} (سورة الجاثية)
انّ "الإنسان" له أربع عِلَل: فاعليّة وماديّة وصوريّة وغائيّة (فاعلٌ، مادةٌ، صورةٌ، غايةٌ):
علّته الفاعليّة: كما علّة الكون أجمع هو "الله تعالى"، وبالتالي لا يُمكن النظر إلى الانسان أو إلى أيّ موجودٍ في الكون بنظرة استقلاليّة عنه تعالى، لأنّه قيّومُ السماوات والأرض وما بينهما، بل كلّ شيء في الوجود هو آية من آياته، وكلمة من كلماته، ودليل يدلُّ عليه، وشأن من شؤونه، وفعل من أفعاله، وتجلٍ من تجلّياته وهكذا
وهو ما يؤكده القرآن الكريم تأكيداً عظيماً، فيبدأ به قبلَ كلّ موضوع وقضية، وينتهي إليه بعدها، فالنظر إلى الأشياء قرآنياً لا يتمّ بكونها منفصلة مستقلّة عن الله تعالى، بل هي صادرة عنه راجعةٌ إليه، وبذلك يظهر خطأ من يُقسّم الأشياء والأمور والعلوم إلى إلهيّة وغير إلهيّة!!
فكلّ الأشياء والأمور والقضايا والعلوم والمواضيع مرتبطة بالله تعالى، سواء رأى البعضُ هذا الارتباط أم لم يره! لأنّها كلّها قائمة به تعالى، وبدونه هي أعدامٌ وبطلان!!
علّته الغائية: غاية الإنسان ونهايته إلى الله تعالى، ولكن بحسب اختلاف أسماء الجلال والجمال، وبحسب ما عليه حقيقة الإنسان وصورته في الدنيا كما سنوضح، لأنّ "الآخرة" باطن "الدّنيا" وحقيقتها، فغاية الإنسان بحسب حقيقته، وهو ما سيُحشر عليه:
إمّا إلى "أسماء الجلال" التي ستكون في صورة "النّار والعذاب"
وإمّا إلى "أسماء الجمال" التي ستكون في صورة "الجنّة والنعيم"
مع ما يرتبط بها من أبحاث البرزخ والبعث والحشر والنشر والكتب والميزان والصراط وغيرها.
علّته الماديّة: وهو ما يرتبط ببُعد الإنسان المادي الظاهري، من الجسم وأحواله وأحكامه، وشؤون الحياة الدنيويّة وأحوالها وأحكامها (الفقه، والاجتماع، والسياسة وغيرها)
علّته الصوريّة: وهو ما يرتبط ببُعد الإنسان المعنوي الباطني، من النّفس والروح وأحوالها وأحكامها، والإسلام والإيمان والتقوى والورع والإخلاص والشكر والصبر وغيرها (الأخلاق، العقائد، وتزكية النّفس والعرفان وغيرها)
فهو عندما يموت يترك الجسم المادي ليبلى ويفنى، ويُحشر يوم القيامة على صورته الحقيقيّة المُتكوّنة من مجموع أخلاقه وعقائده، ويكون له في البرزخ جسم مثالي برزخي، وفي الآخرة جسم أخروي متناسبٌ مع جنّة الآخرة ونارها.
والله تعالى وليّ الهداية والتوفيق
#بحثُ التدبّر في القرآن الكريم
190 views18:38