غريبٌ في وطنه .. لم يعد في الفراغ متسع لنا ، ولم يعد في أفق | مذكرات طالب طب
غريبٌ في وطنه ..
لم يعد في الفراغ متسع لنا ، ولم يعد في أفقنا منفذ للهروب ، فلا شئ هنا يبدو مألوفاً لنا ، الأرض أرضي والسماء سمائي ، ولكني أجهل إن كنت أنا حقاً هنا ، أم أنني بت منفياً في وطن الندوب ،
لا شئ هنا سوى وجعُ الحنين ، حنينُ الذكرى لشئٍ فات ، حنينُ الإنتماء ،،
كل ما حولي يناديني أسىً ، ويبكي من هول ما رأى الشيخ والرضيع ، فلا ترى إلا الحيارى السائرين ، أو اليتامى المشردين ، أو الثكالى المتعبين ،،
فلا ترى إلا دموعاً جف منبعها ، ونظرة يتيم يتلَمَّسُ وجوه العائدين ، ونحيب ثكلى فوق جثةٍ هامدة ، وأياد تنتشلُ الضحايا تنبشُ في الركام ،
صوت أزيز الرصاصِ يدوي في الفضاء ، صدى وحشياً ينبؤ بسقوط ضحية ، وريحة الموت تعم المكان ، وجثث مكدسة ممزقة بوحشية ، ومقابرٌ تشكي الازدحام ،،
أشباهُ أمواتٍ يقتاتون الحياة ، يبحثون عن بقايا الطعام في العشية ، وطفلٌ بعمر الزهور يفترش الإسفلت ، يمد يده كالغريق طالباً النجاة ، وآخرٌ يسألُ المارَّةَ قوتاً ، وآخر يحدث نفسه متى ينتهي كل هذا ، ويرفع شكواه للقاضي الرحيم ، وكهلٌ يموتُ جوعاً أمامَ الناظرين ، وعزيز قوم يودع الحياة صمتاً ، يرقد مستريحاً في مرقده ومنفاه ،،
لا شئ هنا سوى حنينُ السنين للسنين ، ونداءُ الحاضر للماضي اشتياقاً ، وبراءةُ طفلٍ يجهل ما تأتي به الأيامُ والأعوام ، وتجاعيدُ كهلٍ في العشرين ، وغيمةٌ من دخان ،،
لا شئ هنا سوى البقاءُ احتضاراً في الحياة ، أو موتٌ على قارعةِ الطريق ،،