2022-05-27 18:52:50
أمي امرأة في العشرين من عمرها ..
تعجنُ كلّ يومٍ غيابنا
وتصنع منهُ خبزاً
كلّما حَاولتْ إطعامه لأبي
يصير فمهُ -مِن قِلّتنا- يابساً.
.
.
امرأة في الأربعين
تنتظر عودةَ صغارها ..
تُسخّن الصّباحات الباردة دونَ مللٍ
لأنّها تعرف أننا
لا بُدَّ سنطرق باب البيت بعد قليل .
.
.
أمّي امرأة
عمرها مئةُ عام ..
ولأنّ خزائن أولادها فارغةٌ من ثيابهم ..
تُلهي نفسها بطيّ اللّيل
وترتيبهِ في قلبها، كثوبٍ للعزاء.
.
.
الّتي، في كلّ يومٍ ..
تشاهدُ من ثقبٍ في روحها ..
كيفَ أنّ القمحَ، حينَ لايؤتى حصادَهُ ..
يصيرُ هشيماً..
غِوايةً لأيِّ نورٍ قد يعبرُ المشهدْ .
.
.
.
كلّما قطعتُ معها شارعاً، أو مررنا في سوقٍ مزدحم
تنظرُ في عينيّ الاثنتين..
وتطلب منّي أن أمسك جيّدا طرفَ ثوبها
وأشدّ عليه كي لا أضيع ..
وكنتُ دائماً
بعد وصولنا إلى البيت، ألاحظ مكان يدي على ثوبها
كيف صار مُجعّداً...
تلك التّجاعيد..
أراها الآن
بكلّ وضوح في الصّور
كيف انتقلت
من الثّوبِ، إلى ملامحها ..
بينما أعبر الشّوارع والأسواق وحدي
بيدين ضائعتين، وقلبٍ يتعرّق .
.
.
وأذكرُ، عندما كنتُ طفلاً
كيف كانتْ ..
قبلَ أن تضعَ لي "سندويشة اللبنة" في حقيبتي المدرسيّة ..
تقضم منها أوَّل لقمةٍ
لأنّني لا أحب أطراف الرّغيف الفارغة ..
بينما أنا
أنظرُ في ملامحها وأبتسم ..
وكنتُ دائماً ..
في الاستراحة بين الدَّرسَين
أُخرجُ السّندويشة ..
وأظلُّ أنظرُ مكان " القضمة "
كيف أسنانُ الأمّ تتركُ لابنها ابتسامةً في الخبز
- رأفت حكمت / سوريا
177 views15:52