Get Mystery Box with random crypto!

القضاء والقدر ٨ رجب ١٤٢٤ - ٢٠٠٣/٩/٥ القضاء والقدر، إنهما كلمت | قناة الحوزة الناطقة

القضاء والقدر
٨ رجب ١٤٢٤ - ٢٠٠٣/٩/٥

القضاء والقدر، إنهما كلمتان مجهولتان عند الكثير من الناس لا يعلمها إلا القليل، وهاتان كلمتان قد وردتا في القرآن الكريم في أكثر من مورد واحد، ولعلَّ لكل مورد معنى غير المعنى الأول، كما في الكثير من الآيات التي قد تكررت في القرآن، فإنها تتكرر لفظاً فقط لا معنى وإذا تكررت لفظاً . ومعنى فهو التأكيد والطلب الشديد والرغبة للفعل أو الترك حسب الموضوع.
وفي الكثير من الموارد غير القرآنية يرد القضاء مع القدر، وليس هذا فقط بل تَقَدُّم القضاء على القَدَر ، إلا أن هذا خارج عن نطاق القرآن والآيات الشريفة، فلعله لم يرد في الآية ولا مرة واحدة فإن لكل منهما معنى غير المعنى الثاني، أي أن لكل منهما استقلاليته عن الآخر.
ووردت كلمة القضاء في القرآن الكريم على معنيين، حسب تتبعي لبعض المعاجم، وهما:
أولاً : قضى بمعنى انتهى، مثل: ﴿ فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ }، أي أنهاه وانتهى منه، وكذلك: ﴿فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ، أي أنهاه أو أنهى حياته.
ثانياً : قَضى بمعنى أُبْرِمَ الحكم، أو يُقال: أبرمَ الأمر، أي استحكم وصار لا بد منه، مثل: ﴿وَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ} ، وكذلك: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً }، وهذا التقسيم هو الأسلوب الأول من التقسيم.
ولو دققنا النظر في الآيات الواردة في القرآن الكريم بهذا الصدد وكذلك في التقسيم الأول لوجدنا أنه يمكن أن نقسّم كلمة القضاء الواردة في القرآن إلى تقسيم آخر، هو :
أولاً: القضاء الإلهي، الذي هو بيد الله جَلّ جلاله وعلا مكانه والصادر منه، وهذا صفته عدم القدرة على التحكم به بعد وقوعه بأي صورة من الصور وقبل وقوعه أيضاً، فقال تعالى: ﴿سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ} ، وقال أيضاً: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الخيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ }.
ثانياً: القضاء البشري، أي أن الذي قضاه هو واحد من البشر، وهذا يمكن رده بصورة أو بأخرى خصوصاً إذا كان من قبل الله جَلَّ وعلا أو حتى من البشر الآخرين في بعض الأحيان، فذلك ورد في بعض الآيات، مثل :
﴿ حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا }، وكذلك: ﴿فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا}.
ويمكن القول: إن كل ما هو بيد البشر يكون بمعنى الانتهاء، أما ما يكون بيد الله سبحانه وتعالى يكون بمعنى الإبرام والاستحكام، فإنه يمكن الجمع بين هذين التقسيمين (الأول والثاني).
وأما القدر، ومنها ليلة القَدْر ، فهي - كأطروحة - إنما هي سُمّيت بذلك إنما هي من القدر، والقدر من التقدير، كما في: ﴿فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً ، وهناك فَرقُ واضح بين (يقدر) و (يُقدر)، فالأول من القدرة أي بمعنى الاستطاعة ولا دخل لكلمتنا به إطلاقاً.
وعموماً فإن أكثر الآيات التي ورد فيها كلمة القدر ورد فيها كلمة الرزق أيضاً، فإن الأغلب في القدر وفي الرزق هو تقسيم الأموال والأرزاق، مثل: ﴿فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ ، وكذلك اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لَنْ يَشَاءُ وَيَقَدِرُ} ،إلا أن ذلك هو الأغلب وليس المتعيَّن أو الكل، فقد قال تعالى: ﴿وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ } .
وأوضح من ذلك فهناك آية تدل على أنّ القَدَر إِنما هو يَعمُّ كل شيء: ﴿إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً }، قد جعل لكل شيء قدراً، للأرزاق وغيرها من الأمور مثل الحياة ،والممات فإنه إن قال له كن فيُخلق على قدر : {فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ}، وإذا قال له مُت فيموت، بيده الخير وهو على كل شيء ء قدير وإن يُردك الله بضُرِّ فلا كاشف له وإن يمسسك بخير فلا راد له، بيده الخير وهو على كل شيء قدير : { الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا اللَّهَ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ } .
ولتعلموا أن كل ما يقع من القضاء والقدر بيده جَلَّ جلاله، فلا يجوز الاعتراض عليه والتذمر منه، فإنه كما في الآية: ﴿لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا }، وليس لأحد التحكم لا من قريب ولا من بعيد ولا بقيد أنملة أن يبعد القضاء أو الموت وقدره، فكل ذلك راجع إلى الله فقط لا غير، قال تعالى:
{ يُدْرِ ككُمُ المَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوحِ مُّشَيَّدَةٍ } .
وليكن الرد منكم أيها الناس افعل بي ما أنت أهله ولا تفعل بي ما أنا أهله، فإن الخير بيدك ولا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً نهائياً، فإنه من المعلوم أن لكل ما الله فائدة أو أكثر، إذن فلا بد أن يكون للقضاء والقدر فائدة.. إذا لم تكن لمن وقع عليه القضاء والقدر، فهي لَمَنْ هو مُتعلق به ولو من بعيد، وهذه الفائدة يصدر من أخروية بطبيعة الحال وليست دنيوية .