Get Mystery Box with random crypto!

ㅤ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُـوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّي | رِضَا الرَّحْمَنِ غَايتُناَ


﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُـوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾.

المَقْصُودُ مِنَ الصِّيامِ وفَوائِدُهُ ..

فَصْلٌ في هَدْيِهِ ﷺ في الصِّيامِ لَمّا كانَ المَقْصُودُ مِنَ الصِّيامِ حَبْسَ النَّفْسِ عَنِ الشَّهَواتِ، وفِطامَها عَنِ المَأْلُوفاتِ، وتَعْدِيلَ قُوَّتِها الشَّهْوانِيَّةِ،

لِتَسْتَعِدَّ لِطَلَبِ ما فِيهِ غايَةُ سَعادَتِها ونَعِيمِها، وقَبُولِ ما تَزْكُو بِهِ مِمّا فِيهِ حَياتُها الأبَدِيَّةُ، ويَكْسِرُ الجُوعُ والظَّمَأُ مِن حِدَّتِها وسَوْرَتِها، ويُذَكِّرُها بِحالِ الأكْبادِ الجائِعَةِ مِنَ المَساكِينِ.

وَتُضَيَّقُ مَجارِي الشَّيْطانِ مِنَ العَبْدِ بِتَضْيِيقِ مَجارِي الطَّعامِ والشَّرابِ، وتُحْبَسُ قُوى الأعْضاءِ عَنِ اسْتِرْسالِها لِحُكْمِ الطَّبِيعَةِ فِيما يَضُرُّها في مَعاشِها ومَعادِها،

ويُسَكِّنُ كُلَّ عُضْوٍ مِنها وكُلَّ قُوَّةٍ عَنْ جِماحِهِ وتُلْجَمُ بِلِجامِهِ، فَهو لِجامُ المُتَّقِينَ، وجُنَّةُ المُحارِبِينَ، ورِياضَةُ الأبْرارِ والمُقَرَّبِينَ، وهو لِرَبِّ العالَمِينَ مِن بَيْنِ سائِرِ الأعْمالِ،

فَإنَّ الصّائِمَ لا يَفْعَلُ شَيْئًا، وإنَّما يَتْرُكُ شَهْوَتَهُ وطَعامَهُ وشَرابَهُ مِن أجْلِ مَعْبُودِهِ، فَهو تَرْكُ مَحْبُوباتِ النَّفْسِ وتَلَذُّذاتِها إيثارًا لِمَحَبَّةِ اللَّهِ ومَرْضاتِهِ، وهو سِرٌّ بَيْنَ العَبْدِ ورَبِّهِ لا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ سِواهُ،

والعِبادُ قَدْ يَطَّلِعُونَ مِنهُ عَلى تَرْكِ المُفْطِراتِ الظّاهِرَةِ، وأمّا كَوْنُهُ تَرَكَ طَعامَهُ وشَرابَهُ وشَهْوَتَهُ مِن أجْلِ مَعْبُودِهِ، فَهو أمْرٌ لا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ بَشَرٌ، وذَلِكَ حَقِيقَةُ الصَّوْمِ.

وَلِلصَّوْمِ تَأْثِيرٌ عَجِيبٌ في حِفْظِ الجَوارِحِ الظّاهِرَةِ والقُوى الباطِنَةِ، وحِمْيَتِها عَنِ التَّخْلِيطِ الجالِبِ لَها المَوادَّ الفاسِدَةَ الَّتِي إذا اسْتَوْلَتْ عَلَيْها أفْسَدَتْها، واسْتِفْراغِ المَوادِّ الرَّدِيئَةِ المانِعَةِ لَها مِن صِحَّتِها،

فالصَّوْمُ يَحْفَظُ عَلى القَلْبِ والجَوارِحِ صِحَّتَها، ويُعِيدُ إلَيْها ما اسْتَلَبَتْهُ مِنها أيْدِي الشَّهَواتِ، فَهو مِن أكْبَرِ العَوْنِ عَلى التَّقْوى، كَما قالَ تَعالى: ﴿ياأيُّها الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلى الَّذِينَ مِن قَبْلِكم لَعَلَّكم تَتَّقُونَ﴾

وَقالَ النَّبِيُّ ﷺ «الصَّوْمُ جُنَّةٌ».
وَأمَرَ مَنِ اشْتَدَّتْ عَلَيْهِ شَهْوَةُ النِّكاحِ ولا قُدْرَةَ لَهُ عَلَيْهِ بِالصِّيامِ، وجَعَلَهُ وِجاءَ هَذِهِ الشَّهْوَةِ.

والمَقْصُودُ أنَّ مَصالِحَ الصَّوْمِ لَمّا كانَتْ مَشْهُودَةً بِالعُقُولِ السَّلِيمَةِ والفِطَرِ المُسْتَقِيمَةِ، شَرَعَهُ اللَّهُ لِعِبادِهِ رَحْمَةً بِهِمْ، وإحْسانًا إلَيْهِمْ وحِمْيَةً لَهم وجُنَّةً.

وَكانَ هَدْيُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِيهِ أكْمَلَ الهَدْيِ، وأعْظَمَ تَحْصِيلٍ لِلْمَقْصُودِ، وأسْهَلَهُ عَلى النُّفُوسِ.

وَلَمّا كانَ فَطْمُ النُّفُوسِ عَنْ مَأْلُوفاتِها وشَهَواتِها مِن أشَقِّ الأُمُورِ وأصْعَبِها، تَأخَّرَ فَرْضُهُ إلى وسَطِ الإسْلامِ بَعْدَ الهِجْرَةِ، لَمّا تَوَطَّنَتِ النُّفُوسُ عَلى التَّوْحِيدِ والصَّلاةِ، وألِفَتْ أوامِرَ القُرْآنِ، فَنُقِلَتْ إلَيْهِ بِالتَّدْرِيجِ.

[ ابْنُ الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي تَفْسِيرِهِ ]
﹎﹎﹎﹎﹎
http://t.me/QuranHeart