Get Mystery Box with random crypto!

«الحُبُّ اللَّئِيم» لماذا ينطوي الحُبّ العميق على نزعة لئيم | مُعاذيات جدًا!

«الحُبُّ اللَّئِيم»



لماذا ينطوي الحُبّ العميق على نزعة لئيمة؟






إنَّ للحُبِ تأثيرًا أبلغ من السِّحر؛ حينما يستوطن قلب المرء، يُحرّكه كالدُمى كيفما شاء؛ حيث يجعله مِطواعًا لرغباته، وللرغبة سلطانٌ شديد في التحكُّمِ بالنفس البشريّة، ذلك أنّها عندما تستيقظ في نَفْسِ المرء، تَسْتَعِر معها ألسنة اللهب، فتُضيء الدُنيا في عَيْنَيْه، ولكنَّ الرغبة ليستْ كافية. فالحبُ بقدر ما يمنح الإنسان لذّة الرغبة، يسلبه الإرادة مِن جهةٍ أُخرى، والإرادةُ ضروريَّة من حيث إنّها تمنح المرء القدرة على التحكّم بنفسه، وليس العكس؛ فالإرادة تجعل الإنسان يتحكّم بنفسه، أمّا الرغبة تجعل النفس تتحكّم بالإنسان. ولهذا، مهما بلغت لذّة الرغبة، فإنّه لن يتمكّن من العيش من غير الإرادة. وحول ذلك، ذكرَ لنا الفيلسوف فريدريك لونوار إنّ سبينوزا أوّل مَن أكّد على أنّ الإنسان لا يستطيع العيش من غير قوّتيْن، ألَا وهُما: الرغبة، والإرادة. يقول: «إنّ الرغبة هي جوهر الإنسان، فالإنسان كائن له رغباته، وليس فقط احتياجاته، وقوّة الرغبة هي التي تستطيع أن تُحرّك كلّ كيانه كي تُحدِث التغيير الحاسِم في تصرفاته. -لكن مِن جهةٍ أخرى- فإنّ دور الإرادة أساسيّ؛ لأنه يسمح بتوضيح وإعادة توجيه أفعالنا.» مِن دون الإرادة يصبح الإنسان مِطواعًا ذليلًا، ومن دون الرغبة يصبح بَليدًا مُظْلِمًا. فالإرادة تمنحه القوّة والعزّة، والرغبة تمنحه اللذّة والحماسة.


ينشأ صراع المُحِبّ بين ضعف رغبته وقوّة إرادته، في الوقت الذي يتورّط فيه مع محبوبه، حيث الوصول إلى أقصى مراتب التعمُّق المُتجلّية في تحطيم الحواجز والحدود حد التمازُج. وبقدر ما يَتعمّق الإنسان في حُبّهِ للآخَر، تضعف قدرته على مقاومة تأثيره، بدلالة أنّه عندما يُجالِس جماعة من الناس بغياب حبيبه، سيعتريه الاستيحاش مهما حاول الاستئناس، وسيُفصِح وجهه عن مَسْحة واضحة مِن الكآبة اللاذعة مهْما حاول التظاهُر بالفرح، وستجثم على صدرِهِ غمامة خانِقة في وسط الضحكات، وكأنّه مُنْشَطِرٌ عنهم. في لحظاتٍ كهذه، يصبح المرءُ ناقِمًا على الساعة التي تورّطَ فيها بالحُب العميق مع إنسان عاديّ مثله تمامًا، لكنَّ سحر الحُب قادر على تحويل العاديّ إلى استثنائيّ...في لحظاتٍ كثيرة، يبدو الحُبّ بشعًا جدًا، لكنَّ العاشِق أعمى!

وأشدّ ما يلوي ذراع الإنسان في شؤون الحُب، أنّه لا يملك ترف اختيار الحبيب، والشواهد على ذلك كثيرة، منها تعبير الشاعر السعودي الرقيق، بدر⁩ بن ⁦عبدالمحسن⁩:
‏«ما ⁦اخترت⁩ أنا أحبّك؛ مْا أحْدٍ يحبّ اللّي يَـبي»
هذا البيت يُعبِّر عن حالة العاشِق المسلوب الإرادة. وقد لا نُلاحِظ في أحيانٍ كثيرة، أنّهُ وبمُنتهى التعقيد، قد يَتجنّبنا أحدهم باستماتة؛ لأنّهُ وَقَعَ في غرامِنا، ولأنّهُ يرفض التصديق بأنّهُ وَقَع خارج إرادة نفسه. وحالَما تُسْلَب الإرادة، تنشأ نزعة اللُّؤْم والقسوة بين المُتَحابَيْن، هذه النزعة اللئيمة تدفع كلّ طرف مِنْهُما إلى اتّهام الآخر بأنه تسبّبَ في فقدان إرادته التي تمنحه القدرة على الاختيار والامتناع.

ومِن الشواهِدِ أيضًا، ما كتبَه الشاعر الفرنسي ألفرِيد دي مُوْسيه في قصيدته الحواريّة «ليلة أكتوبر» التي صاغها على سياق حوار دار بينه وبين ربّة الشعر بعد مروره بتجربةِ حُبٍ عاثِر.
يقول على لسان ربّة الشعر:
"افتح لي نفسك وتكلّم واثقًا من أمانَتِك، فإنّ الصمت أخٌ للموت، ولَكَم شكا متألم ألمه فتعزَّى عنه، ولَكَم نجَّى القول قائله من وخزات الضمير."
ثم يَردُّ عليها بلسان الشاعر:
"نعم، سأفتح لكِ نفسي، سأقصُّ عليكِ كُل ما كان، لتعلمي مَبْلغ الألم الذي تستطيع أن تُحدِثه امرأة. وأنتُم تعلمون رفاق نفسي أيّة امرأة تلك التي أذلّت رقبتي كما يذل العبد سيّده، ما أبغضه من نِير! لقد أضناني فذهب بقوتي وشبابي، ولكني لا أكذّبكِ أني لمحتُ السعادة بجوارها.."



الحُبّ العميق له ثمن غالٍ تدفعه لاحقًا، لذلك، عندما تُقرِّر الوُلوج في أعماقه، عليك أن تُدرِك جيّدًا أنك لن تستطيع الخروج منه أبدًا، إذْ ليس ثمّة فرقٌ بينه وبين العبوديّة.



قلم: نورا الشمّري.
Twi:
@Ladynour_