2020-10-05 19:35:24
{ السيرة النبوية }
ومن الآثار السلبية لوجود الطلقاء وبعض الأعراب في جيش المسلمين، أن معظمهم خرجوا للحصوص على الغنائم والنظر لمن تكون الغلبة، فلم يشعروا أنهم يدافعون عن قضية ومبدأ، إذ كانوا حديثي عهد بالإسلام ولم يتذوقوا طعم الإيمان ولا حب الجهاد في سبيل الله وكان منهم المقيم على الكفر ، ومنهم بالطبع من كان حسن الإسلام- فلا غرابة أن ينهالوا على الغنائم، في بدء المعركة وينشغلوا بها ويشغلوا سواهم من الجند معهم.
وفي بداية القتال تراجعت طلائع هوازن أمام تقدم المسلمين تاركين بعض الغنائم التي أقبل على جمعها الجند. البخاري ومسلم.
وكأنهم حسبوا أن هوازن قد هزمت هزيمة نهائية، ولكن هوازن فاجأتهم بالسهام الكثيفة تنهال عليهم من جنبات الوادي، وكان بعض المسلمين قد تعجلوا بالخروج دون استكمال عدة القتال، فكان بعضهم حاسري الرءوس، والبعض الآخر من الشبان لم يحملوا معهم السلاح الكافي. البخاري ومسلم.
ولم يحسبوا للأمر حسابه، وأمام هول المفاجأة ودقة الرماة من هوازن حتى: "ما يكاد يسقط لهم سهم، فرشقوه رشقاً ما يكادون يخطئون". البخاري ومسلم.
كما وصفهم البراء بن عازب أحد شهود المعركة من الصحابة - فانكشفت خيالة المسلمين ثم المشاة، وفر الطلقاء والأعراب، ثم بقية الجيش، حتى لم يصمد مع الرسول ﷺ سوى فئة قليلة صمدت بصموده.
لقد استمر القتال في هذه الجولة الأولى من الفجر إلى العشاء ثم طيلة الليل ثم انكشف المسلمون وأدبروا، وكان الحر خلال النهار شديداً فكان المسلمون يأوون قبل المعركة إلى ظلال الأشجار في النهار، أما في وقت المعركة فكانوا معرضين للشمس الملتهبة، وكانت الأرض رملية فكان الغبار يرتفع في وجوههم، فيحد من قدرة المقاتلين على الرؤية كما عبر أحدهم: "فما منا أحد يبصر كفَّه"، في حين استفادت هوازن من كمائنها في المنعطفات والشعاب.
وكان الرسول ﷺ يركب بغلته دلدل، رغم امتلاكه للخيل وبذلك يرسخ في أذهان المسلمين فكرة الصمود، فالبغلة لا تصلح للكر والفر ولا للإدبار خلافاً للخيل، وكان الرسول ينظر إلى إدبار المسلمين ويدعوهم للثبات وهو يدفع بغلته للأمام ويقول: "أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب" والعباس عمه وأبو سفيان بن الحارث يمسكان بعنان بغلته لئلا تسرع به خلال العدو . رواه مسلم.
وقد تراجع قليل من المسلمين يسيراً ، في حين ابتعد معظمهم عن الميدان مدبرين ولم يصمد معه سوى عشرة أو اثني عشر من الصحابة كانوا يحيطون به فيهم العباس وأبو سفيان بن الحارث وأبو بكر وعمر وعلي.
وقد أمر النبي ﷺ عمه العباس - وكان جهوري الصوت - فنادى الناس للعودة ثم خص الأنصار وأصحاب الشجرة بالنداء ثم خص بني الحارث بن الخزرج بالنداء فتلاحقوا نحوه حتى صاروا ثمانين أو مائة، فقاتلوا هوازن .صحيح مسلم.
وبدأوا جولة جديدة مليئة بالشجاعة والصدق والعزيمة والإيمان وحسن التوكل، فكان النبي ﷺ يدعو الله ويسأله النصر، يقول: "إنك إن تشأ لا تبعد بعد اليوم". مسند أحمد. حتى إذا غشيه الأعداء نزل عن بغلته وترجل.البخاري ومسلم.
وكان الصحابة إذا اشتد البأس والتحم القتال يتقون به لشجاعته وثباته.صحيح مسلم.
فلما رأى الفارون من المسلمين ذلك وسمعوا العباس يناديهم أخذوا يتلاحقون به ويرددون: لبيك لبيك. حتى أن من لم يستطع منهم أن يثني بعيره ويعود به أخذ سلاحه وتركه.صحيح مسلم.
فاشتد القتال من جديد وقال الرسول ﷺ: "هذا حين حمي الوطيس".صحيح مسلم.
وأخذ تراباً أو حصيات فرمى بهن وجوه الكفار وهو يقول:"شاهت الوجوه", "انهزموا ورب محمد". صحيح مسلم، {ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا} .
ولم تصمد هوازن وثقيف طويلاً في الجولة الثانية، بل فروا من الميدان وتعقبهم المسلمون بعيداً عن حنين تاركين وراءهم قتلى كثيرين وأموالاً عظيمة في الميدان. ولم يتمكنوا من الانسحاب المنظم حتى أنهم تركوا خلفهم شراذم من الجيش تمكن المسلمون من القضاء عليها بسهولة، فكانت خسارتهم في الأرواح خلال الهزيمة أعظم من خسارتهم خلال المعركة.
وأما تضحيات المسلمين فتتمثل في استشهاد أربعة منهم، وإصابة عدد منهم بجروح منهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وعبد الله بن أبي أوفى وخالد بن الوليد. صحيح البخاري.
انهزمت هوازن وتفرقت في الجبال والأودية.
وممن وقع في الأسر الشيماء أخت الرسول ﷺ من الرضاعة، وقد أكرمها الرسول ﷺ بعد أن استدل على صحة ما تقول من عضة عضها لها أيام رضاعه في بني سعد، على أن أمه من الرضاعة حليمة السعدية قدمت إليه فأكرمها وطوى لها ثوبه لتجلس عليه.
170 views16:35