أنا مريضٌ يا أمِّي مريض بكلِّ شيء، بالنَّاس الذين آويتهم وخدعو | ديستوبيا-Dystopia
أنا مريضٌ يا أمِّي مريض بكلِّ شيء، بالنَّاس الذين آويتهم وخدعوني، بالأصدقاء الذين راهنتُ على شرفهم وخذلوني...
وحيدٌ وخافت في منتصف شمال العالم لا أمتلك شيئًا إلَّا كتبًا لِـ"رياض صالح الحسين" و"محمّد الماغوط"، ومبلغ رمزيّ لا يشتري وجبة جيّدة لطفلك الذي دهسته أرجل الحياة البريّة. صباحكِ وأنت تهذّبين الموجَ لأجلي، ترافعين مع الجارات مدافعةً عن ولدك الحادّ والمعزول الذي تربّى في عزّك فلم يستسغ ذلّ العالم...
مريضٌ بالسّعال، أسعلُ كما لو أنَّني سأتقيّأ قلبي، قلبي الذي تعلّم البكاء مع قلبك، قلبي الذي رغم كلّ شيء لا زالَ ينام تحت ظلّك. أتعرفين يا أمِّي ما هو الأسى؟ هو الصّباح الذي يكون بدونك. بدون صوتكِ الناعس وهو يمسح على جدران البيت العتيق. مريضٌ بإنسانيتي التي تذبحني كلّ ليلةٍ بصمت دونَ أثير فوضى الذبيح...
مريض بالفنّ، باللّمسات التي لا تُرى، بالكلام الذي يوخز القلب، بالتّفاصيل الصّغيرة، بشالٍ يسقط من رقبة أنثى في قطار المساء وهي تفكّر في حبيبها البعيد.
مريضٌ بالأحلام، بالأشياء التي لم أحقّقها لأجلك. لم أدخل الجامعة لأنَّني كنت طائشًا ومكتئبًا، كنت أرى الجامعة أصدقائي الذين نجحوا بالغشّ وأصبحوا دكاترةً يدافعون عن الأدب..
مريض بشجاعتي وجرأتي وفداحة مواقفي، لقد ورثت هذا عن أبي ليتني كنت مثلك في كلّ شيء، أعانق من يظلمني، وأبكي مع أعدائي، وأزور أقاربي الذين أكلوا لحمي..
مريضٌ بوجودي في الجغرافيا الخطأ، إنّ أقصى أحلامي هي مدينة تمّجد الإنسان الإنسان الذي يموت هنا يوميًا بطريقة روتنيّة مرعبة، كأن يعمل في مكانٍ تلهث فيه النّاس خلفَ أطماعها بينما يلهث هو خلف الكتب. هذه الكتب التي تخبرهُ دائمًا أنّ العالم يسيطر عليه هؤلاء الحمقى، الفارغين من نظافة الإنسان لقد مات كلّ شيء...
