Get Mystery Box with random crypto!

من أهم ما قرأته في مسألة التنظيم العقلي، والحفاظ على الوقت، ما | القراءة🌿حياة

من أهم ما قرأته في مسألة التنظيم العقلي، والحفاظ على الوقت، ما ذكره د. علي الطنطاوي في الجزء السادس من ذكرياته:

"كان عندي كل يوم ٣٠ قضية (أي دعوى)، أسمع مرافعاتها، وأحكم فيها، وأشرف على مجالس التحكيم، وأعمل رئيسًا لثلاثة مجالس: مجلس الأوقاف، ومجلس الأيتام، والمجلس الأعلى للكليات الشرعية في سوريا التي تتبع وزارة الأوقاف، وألقي دروسًا في الكلية الشرعية في دمشق، وفي الثانوية الأولى للبنين، والثانوية الأولى للبنات، وأخطب الجمعة في جامع المرابط، أو في مسجد الجامعة، وأحاضر في النوادي والجامعات، وأحدث من إذاعة دمشق، وأنا أقدم محدث يسمعه الناس، مر عليّ الآن أكثر من ٥٠ سنة وأنا أحدث، ما انقطعت عن الحديث.

وكنت مع ذلك أقرأ كل يوم ٢٠٠ أو ٣٠٠ صفحة، وأنا مستمر على ذلك من يوم تعلمت القراءة وأنا صغير، أي: من نحو ٧٠ سنة إلا قليلًا، أصرف فضل وقتي كله في القراءة؛ لأنني ما كنت ألعب مع الأولاد في الشارع، ولا أذهب مع الشباب إلى ملهى، ولست امرءًا اجتماعيًا، يضيع وقته في استقبال القادمين ووداع المسافرين!

تقولون كيف قدرت على هذا كله؟ وكيف اتسع له وقتك؟ والجواب أنني لم أكن أقسم نفسي، ولكن أقسم وقتي، وهذا ما يسمى عند الفقهاء بالمهايأة.. هل سمعتم بالمهايأة؟
إذا كان للدار مالكان لا تتسع لهما، ولا يمكن أن تقسم بينهما، فإنهما يقسمان الوقت، فيستعملها كل واحد منهما شهرًا أو سنةً، ويستعملها الآخر مثل ذلك.
وأنا حين أكون في المحكمة أوليها انتباهي كله، ولا أفكر في الجريدة ولا في المدرسة، وإن كتبت أكتب للجريدة، أبعد ذهني عن المحكمة، وحين أكون في المدرسة لا أفكر في غير دروس المدرسة، ثم إن ذلك كان على عهد الشباب.

"روائح الجنة في الشباب" كما قال أبو العتاهية، ولو أن الشباب من قراء هذا الفصل أنفقوا قواهم، وصرفوا وقتهم في الجد، وفي المنتج النافع، لصنعوا أكثر مما صنعت."